تركيا بين هزائم تحالفاتها في الماضي والحاضر

حين جرى الإعلان عن وحدة عربية تجمع سورية ومصر في عهد الرئيس عبد الناصر في شباط عام 1958 وسقوط الحكم الملكي التابع لبريطانيا في العراق في تموز من العام نفسه، وانسحاب العراق من الحلف البريطاني- التركي- الإيراني «حلف بغداد».. شعر ديفيد بن غوريون رئيس الحكومة الصهيونية بالفزع الشديد من وجود ثلاث عواصم دول تاريخية عربية، دمشق والقاهرة وبغداد، برئاسة عربية مستقلة تهدد مستقبل كيانه، فهرع إلى أنقرة بتعليمات أميركية لعقد اجتماع سري مع عدنان مندريس رئيس الحكومة التركية، واتفق الاثنان على عقد اتفاقات عسكرية واقتصادية لحماية تل أبيب وأنقرة، وأطلق الاثنان على تحالفهما «حلف الجوار غير العربي» مع “إسرائيل”، كبديل عن سقوط «حلف بغداد» وضمت إليه تل أبيب -بواسطة اتفاقات ثنائية في الستينيات- إيران في عهد الشاه وإثيوبيا، فأصبح من أكبر التحالفات في الشرق الأوسط مع الكيان الصهيوني.. وبهذا الشكل أرادت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني محاصرة مصر بدور إثيوبي.. وسورية بدور تركي.. والعراق بدور إيراني.

وبعد حرب حزيران عام 1967 تطورت العلاقات التحالفية بين أنقرة وتل أبيب ووصفها المراقبون منذ عام 1992 حتى عام 2008 بالذهبية بموجب دراسة أعدها معهد بروكينغز الأميركي للدراسات الإستراتيجية عام 2014.

ولذلك توج الرئيس باراك أوباما مخططه عام 2009 بزيارة إلى أردوغان لتعزيز مكانته ودوره المقبل في مخطط «الربيع العربي» وخاصة حين تبيّن أنه أصدر عام 2010 الأمر التنفيذي الرئاسي الأميركي رقم 10 ورقم 11 بموجب ما نشرته مكتبة الكونغرس الأميركي عام 2016 والذي وجه فيه الرئيس أوباما وزارة الخارجية ووكالات المخابرات الأميركية للعمل على تغيير أنظمة الحكم الوطنية العربية بأنظمة إسلامية معتدلة، وكان من الطبيعي أن يعد في مخططه دوراً كبيراً لأردوغان بالذات لو نجح هذا المخطط وهذا ما تبيّن أيضاً حين استلم “الإخوان المسلمين” في حزيران عام 2012 رئاسة مصر بانتخاب محمد مرسي أحد قادة حركة الإخوان في مصر، فقد تعززت علاقات أردوغان فوراً مع حكم “الإخوان المسلمين” في ذلك العام وقدر أنه سيسقط الحكم في سورية ويربط “الإخوان المسلمين” فيها بمصر على طريقة السلطان العثماني.

ولذلك بالذات جرى الإسراع بتصعيد الهجوم الإرهابي الميداني للمجموعات المسلحة على الأراضي السورية بدعم مكثف من أردوغان ومرسي هذه المرة، وما كاد يأتي عام 2013 حتى أعدت المخابرات الصهيونية باعتراف مسؤول التخطيط فيها العميد ايتي ايتان تلفيق استخدام السلاح الكيميائي في غوطة دمشق.. وتصاعد الهجوم التحريضي لتنفيذ غزو عسكري أميركي لسورية وخاصة أن أوباما كان قد أعلن عام 2012 أنه يعد أي استعمال للسلاح الكيميائي في الحرب الدائرة في سورية خطاً أحمر يستدعي منه توجيه هجوم عسكري أميركي مباشر على سورية ومؤسسات الجيش والحكم فيها.

فقد طالب الكيان الصهيوني في عام 2013 أوباما تنفيذ ما تعهد به فوراً، وكان أردوغان ينتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر على أمل توجيه واشنطن ضربات عسكرية ضد سورية لتوسيع سيطرة المجموعات المسلحة على أراضيها، لكن أوباما عاد وتراجع عن الموعد الذي حدده للهجوم حين تبين له أن الرئيس بشار الأسد استعد لكل الاحتمالات وهيأ الجيش والحلفاء على الأرض السورية للتصدي بقوة لأي هجوم أميركي، ثم جاءت الوساطة الروسية وهدّأت من التوتر المتصاعد، ففقد أردوغان الفرصة التي كان يتطلع إليها من شن الهجوم العسكري الأميركي المباشر على الجيش السوري في عام 2013 وشهدت مصر في العام نفسه بداية نهاية حكم الإخوان لتشكل الضربة الثانية لخطة أردوغان وأوباما.

وبعد استكمال انتصار الجيش العربي السوري وحلفائه المحليين والإقليميين على المجموعات الإرهابية، بدأ أردوغان يفقد المزيد من الأوراق التي راهن عليها لتحقيق أهدافه ضد سورية، فبات الآن يعمل على التقارب مع “إسرائيل” ومع إدارة بايدين في ظل ميزان قوى يميل لصالح محور المقاومة وتوسع دائرته من طهران إلى بغداد إلى سورية والمقاومة الوطنية في لبنان، وتعزز تحالفه الدولي مع روسيا والصين على المستوى العالمي، ولذلك تتوقع المعارضة التركية تدهوراً متزايداً لإدارة أردوغان، وتعريض تركيا لأخطار وهزائم تسببت بأضرار اقتصادية واجتماعية للشعب التركي.

كاتب من فلسطين

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار