تركيا.. جبهة عدوان متقدمة ضد سورية

كان لهيمنة حزب العدالة والتنمية في تركيا أكبر الأثر في التوسع والسيطرة على مقدرات الشعوب المجاورة، ومن خلال هذا الحزب الإخواني الذي يحكم تركيا حالياً استطاع العثماني أردوغان ألّا يجد له أذناً مصغية في منطقة الشرق الأوسط، بل في العالم أجمع، بدليل أن حلفاءه الأوروبيين قد تنصلوا منه لمواقفه الإخوانية في البحث عن أطماع الدولة العثمانية، فاحتلاله شمال غرب سورية وأرضاً عربية أخرى جعل تركيا دولة راعية ل*لإره*اب، وفقدت دورها الإقليمي الذي أرادت صناعته.
لقد أدى ما يسمى «الربيع العربي» إلى تنامي العنف تحت ستار الدين في العديد من البلدان العربية (الإره*ا*ب التكفيري الذي يعكس الهجمة غير المسبوقة للعنف، برأسماله الرمزي والمادي وبممثليه من «حماة المقدس» من السلفية والإخوانية والتيارات الفكرية و«جهاديي» الموت وقطع الرؤوس وبعض الإسلام التقليدي والرسمي).
فقد تحولت تركيا إلى قاعدة استراتيجية وجبهة عدوان متقدمة ضد سورية، حتى إن الجميع بات يتحدث عن انبعاث (الامبراطورية العثمانية الجديدة) المستندة هذه المرة إلى تنظيمات (الإخوان المسلمين) التي وصلت إلى السلطة في ثلاثة بلدان عربية عام 2012، وشرعت في ممارسة العنف ضد سورية وشعبها مستقوية بالدعم الإقليمي التركي والخليجي، ولم تكتفِ تركيا بذلك، بل عملت على تقديم كل الدعم اللوجستي والعسكري والمالي إلى الجماعات الإر*هابي*ة المرتبطة بتنظيمات مثل «جب*هة *النص*رة» ممثلة تنظيم القاعدة في سورية و«دا*ع*ش»، وهي تنظيمات قائمة في عقيدتها على التكفير ورفض الآخر، ومرتبطة بالمخطط الصهيوني الذي يستهدف تفكيك كل الدول الوطنية العربية في منطقة الشرق الأوسط وتقسيمها على أساس طائفي ومذهبي وعرقي، وبعد عشر سنوات من الحرب وهزيمة المخطط الأمريكي- الصهيوني- الخليجي- التركي الذي كان يستهدف إسقاط الدولة الوطنية السورية لا تزال تركيا حالياً هي الدولة الأكثر انخراطاً بشكل مباشر في الأزمة السورية من خلال احتلالها للشمال الغربي السوري، وتقديم الدعم العسكري واللوجستي العلني للمعارضة المسلحة المرتبطة بالنظام التركي، وكذلك لما يسمى هيئة تحرير الشام ” النص*رة الإره*ابية” المسيطرة على أجزاء كبيرة من محافظة إدلب.
إن مصداقية السياسة الخارجية التركية من الأزمة السورية هي انسحاب الجيش التركي من الشمال الغربي السوري ووقف الدعم العسكري واللوجستي للتنظيمات الإره*ابي*ة والتكفيرية، فمن المعروف أن العلاقات التركية- السورية كانت دائماً متوترة ومتأزمة خلال المرحلة التاريخية الممتدة من 1939 ولغاية توقيع اتفاقية (أضنة)، بسبب عدد من القضايا الخلافية بين البلدين، لعلّ أهمها قضية ضم تركيا لواء اسكندرون عام 1937، واعتراف تركيا بـ«إسرائيل» عام 1949، وانخراطها في المعسكر الغربي المعادي لتطلعات الأمة العربية نحو الاستقلال والوحدة، وحرب المياه ضد سورية والعراق من خلال إقامة السدود العملاقة على نهري دجلة والفرات.
وإلى جانب هذا التدخل التركي في شؤون سورية عسكرياً ولوجستياً يعاني الحكم في تركيا من مشكلات عديدة منها فقدان الثقة مع مصر بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين عام 2013 وانتقال مركز الحركات الإسلامية من القاهرة إلى استنبول والتصعيد بين البلدين في منطقة شرق المتوسط ولاسيما في ليبيا طوال أعوام 2013- 2020، ورغم التقارب الذي حدث مؤخراً بين تركيا ومصر فإن خطوت التقارب بينهما تسير بشكل بطيء، وكذلك الخلاف مع الإمارات حول اتهام تركيا للإمارات بدعم الانقلاب الأخير والدعم الإماراتي لـ(غولن)، كما أن التوترات التي حدثت بين السعودية وتركيا حول مقتل الصحفي (خاشقجي) له أكبر الأثر في هذا الصراع، ورغم التسارع في وتيرة تطبيع العلاقات مع الإمارات ومصر فإنها لم تكن بالقدر ذاته مع السعودية.
وأخيراً فإن تركيا اليوم قد تحولت إلى جبهة عدوان ضد سورية العربية وشعبها في أكبر مؤامرة الهدف منها تقسيم هذا البلد لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني ونهب ثروات الشعب السوري وتجويع الملايين من السوريين، كما أن القوات التركية قد سيطرت عبر أذرعها ومرتزقتها على منابع النفط وحقول القمح والزراعة بصورة عامة ودعم التنظيمات الإره*ابي*ة في تلك المنطقة لإيجاد موطئ قدم لها كما حصل في ليبيا والعراق.
أكاديمي وكاتب عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار