رسالة وإنذار من موسكو ‏

تتخذ سياسات حلف شمال الأطلسي «ناتو» العدائية، أشكالاً مختلفة، فرضت على روسيا ‏الاتحادية مواكبة الهجمات الغربية المتتالية عليها بتحديث العقيدة النووية، لتصبح مرنة بقدر ‏تلون وتمويه الأعداء من حلف «ناتو»، خلف وكلاء جُعل منهم رؤوس حراب ضد موسكو، ‏وقد كانوا حتى الأمس القريب شركاء روسيا في الاتحاد السوفييتي. ‏

إقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العقيدة النووية المحدثة لبلاده، جاء لردع حلف شمال ‏الأطلسي «ناتو» عن حماقاته، ونتيجة لتطورات متعددة، فرضتها ضرورات ميدانية تكتيكية ‏وسياسية مستقبلية استراتيجية، وبدفع من أسباب عدة، أولها: مباشر، إن الغرب يخطو باتجاه ‏تزويد أوكرانيا بصواريخ باليستية لضرب العمق الروسي، وثانيها: وهو الأصل، أي الأطماع ‏الغربية، فلا يغيب عن موسكو الأطماع الغربية بثرواتها الهائلة، فالغرب لم ولن يكف عن ‏السعي إلى تفتيت روسيا، من أجل ما تمتلكه من ثروات، وهذه سياسة معتمدة منذ زمن القيصرية ‏الروسية وإلى ما بعد الاشتراكية السوفييتية، وثالثها: الاستهداف الممنهج لحلفاء روسيا، ‏بهدف خنقها وحشرها ومن ثم الانقضاض عليها.‏

ولا يخفى على موسكو التوجه الدائم للغرب الأوروبي، وخاصة بتحريض من واشنطن، إلى ‏معاداة روسيا، كعقيدة معلنة في سياساته الخارجية، فكل ما قدمته موسكو خلال الثلاثة عقود ‏الماضية، التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي من طروحات للتعاون وتخفيض حدة التوتر مع ‏دول «ناتو»، لم يمنحها الغرب الوقت الكافي لدراستها أو حتى الرد على الأسئلة المقلقة ‏لروسيا، وأكثر من ذلك دفع أوكرانيا إلى تقويض اتفاقيات «مينسك» الدولية، التي سعت إلى إنهاء ‏الحرب في منطقة دونباس، وبعد ذلك أصبح حلف «ناتو» على حدود روسيا.‏

بعد تحديث العقيدة النووية الروسية، التي أتت إلى وضع حد للاجتهادات الغربية في التحرش ‏بروسيا، بات حلف «الأطلسي» وخاصة الدول الأوروبية منه أمام خيارات قليلة، هي ‏الذهاب إلى السلام، الذي يفضي إلى التعاون مع روسيا، بدلاً من المجابهة بالوكيل الأصغر –‏أوكرانيا- أو بنفسها – أوروبا- باعتبارها وكيلاً لأميركا، أو الصراع المباشر الذي يمكن تحديد ‏ساعة انطلاقته، لكن لا يمكن التحكم بمداه وزمن إيقافه. ‏

وإما أن يفهم «ناتو»، خاصة أوروبا، رسالة وإنذار موسكو، أو أن يتم تدشين حقبة جديدة من ‏الولوج إلى الجحيم من البوابة الأوكرانية.. أما الأمريكي فهو قابع هناك بعيداً خلف المحيط ‏يرتب بيته ويحرك أوراقه.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار