الحرب الأوكرانية: الأسبوع السادس من معارك غيّرت العالم
أدت الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى سلسلة من التغيّرات العالمية، ربما لم يكن يتوقعها القائمون على القتال أنفسهم، كما لم ترد على ألسنة أيٍ من ضيوف البرامج الذين تصدّوا لتحليل تبعات ما يجري بين موسكو (التي تمثل نفسها، وآمال البشرية في الانعتاق من الأحادية القطبية) وبين كييف (التي تمثل مصالح البيت الأبيض وحلفائه في عواصم غرب أوروبا). وكان الأمر بمنزلة الصدمة للجميع.
وقد باتت تلك التغيّرات عميقة الأثر لدرجة أصبح فيها الحديث عن الحرب يحتل شطرًا من الحوار اليومي المعتاد الذي يدور على موائد الطعام العائلية في العالم الثالث، وإن كان هذا النوع من النقاشات يتركّز أساسًا على تأثيرات ما يحصل في شرق أوروبا على أسعار المواد الغذائية والخدمات التي ارتفعت إلى حدٍ أصاب الجميع بالإرهاق، فباتت متابعة المستجدات السياسية والعسكرية لما يحصل في أوكرانيا أمرًا لا مفر منه، لكونها تتعلق بالعيش اليومي وبقدرة كل عائل على تدبير حياته وحياة من يعولهم. وحسب آخر نتائج الاستطلاعات الواردة من مركز “تريندز” للبحوث، فإن 78 بالمئة من الخبراء الذين تم سؤالهم عن مدى متابعة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أجابوا: بنعم كثيرا، مما يدل على كبر المساحة التي يحتلها هذا الحدث عالميًا منذ 24 شباط وحتى تاريخه.
كان القرار الروسي بالتدخل عسكريا بدايةً في مناطق شرق أوكرانيا، أمرًا تفرضه أبجديات الأمن القومي، فلا يمكن لموسكو أن تدع قواعد حلف شمال الأطلسي العسكرية تتوسع للحد الذي تستوطن فيه على حدود البلاد الغربية، ومن ثمّ تبدأ بتهديد أمن واستقرار الروس داخل أراضيهم وبشكل مباشر، كما لم يكن من الوارد أن يواصل الروس كبح جماحهم وهم يتابعون هذا الكم المفزع من الجرائم العنصرية التي ترتكبها عصابات “النازيين الجدد” بحق سكان إقليم دونباس بجريرة رفضهم أن تسقط بلادهم رهينة للقرار الأمريكي، أو بحق أهالي شبه جزيرة القرم كما كان مخططا له.
كذلك كان الأمر بالنسبة لروسيا مؤلما وهي ترى دولة مثل أوكرانيا تجمعها بها الأخوة القومية والروابط التاريخية، وهي تنسلخ عنها وبشكل صريح منذ أحداث 2014، حين تم الانقلاب على الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، ثم ترتمي في أحضان أعدائها، وتتبنى نهجا متطرفًا معاديًا لكل ما هو روسي على المستوى الاقتصادي كما الحربي كما الثقافي، حتى اللغة الروسية (التي هي بمنزلة التوأم للغة الأوكرانية) صارت منبوذة، وتتم تنحيتها من المجال الأعم لصالح اللغة الإنكليزية!.
الآن تدخل الحرب أسبوعها السادس، وقد حقق الجيش الروسي انتصاره في المناطق الشرقية وفي جنوب البلاد بمحاذاة البحر الأسود، بينما يسعى المستشارون العسكريون الأمريكيون بالتحالف مع الجماعات الأوكرانية المسلحة، لتحويل المعارك في كييف ومناطق الوسط إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، يتم فيها استهلاك طاقة روسيا، التي تتعرض في الوقت ذاته إلى سيل من العقوبات الاقتصادية التي قررها الرئيس الأمريكي جو بايدن وفرض قبولها على الجميع، بما فيها بعض الدول الأوروبية التي سيذوق شعبها الأمرين في حالة الاستغناء عن النفط والغاز القادمين من روسيا.
في مواجهة عدوانية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الاقتصادية، وقرار تجميد الأصول الروسية التي بلغت نحو 300 مليار دولار من الذهب واحتياطيات النقد الأجنبي، قررت موسكو أنه سيتم سداد قيمة الغاز الذي يتم تصديره من البلاد بالعملة الروسية الروبل، بدلًا من اليورو الذي اعتادت “الدول غير الصديقة لروسيا” الدفع به، ثم التفّت وطعنتها في ظهرها، وذلك حين اتبعت واشنطن بمواقفها الاقتصادية، علما بأن الولايات المتحدة الأمريكية كان يمكن لها ببساطة أن تتخذ هذا النوع من الإجراءات، حيث لا تستورد أي غاز من روسيا على الإطلاق، و3% فقط من نفطها، بينما دولة مثل ألمانيا فإنها كانت تستورد أكثر من 55% من الغاز الذي تحتاجه من موسكو قبل الغزو.
حقيقة، ليست الحرب الأوكرانية شأنًا محليًا أو أوروبيًا فقط، بل هي شأن عالمي بامتياز، وفي حال صمود روسيا فإن العالم كله سيتغير، وستنتهي عقود من الهيمنة الأمريكية، التي أرهقت العالم كله، وسلبت الدول حريتها السياسية والاقتصادية. فنحن، إذن، بصدد عالم جديد يتشكل، وسنرى آثار الانتصار الروسي في كل قارة وفي كل إقليم حول الكرة الأرضية.