بوتين يقتحم أوروبا من أجل حقوق روسيا المشروعة
قامت روسيا بالعملية العسكرية في دونباس بدفاع معلن أمام مخططات الغرب، ويرى المتتبع للأحداث بوضوح قبل دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا مدى التحذيرات الغربية لموسكو من مغبة قيامها بأي عمر عسكري لا تُحمد عقباه في أوكرانيا، فسواء تعلق الأمر ببرلين أو واشنطن أو بروكسل فالخطاب هو نفسه الموجّه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان قبل دخول قواته أوكرانيا يطالب بمحادثات «فورية» وبضمانات تسمح بمنع التوسع المستقبلي لحلف الـ«ناتو» نحو الشرق أو نشر منظومات أسلحة تهدد روسيا انطلاقاً من الأراضي الأوكرانية وفي دول أخرى مجاورة، كما طالب في لقاء عبر الفيديو نظيره الأمريكي جو بايدن بالتزامات قانونية بهذا الشأن، من هنا تعدّ موسكو أن الغرب انتهك وعوداً إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت تقضي بعدم توسيع حدود الـ«ناتو» التي تشمل دول أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفييتة السابقة، ومع هذا التوجه الروسي لقراءة الأزمة الأوكرانية ترفض الدول الغربية استبعاد الناتو شرقاً، بينما تصرّ روسيا على أنها لن تقبل بانضمام كييف للحلف وتعدّ ذلك خطاً أحمر.
ويرى المراقبون للأحداث الروسية – الأوكرانية أن السبب الوحيد في التأزم واندلاع الحرب هو الولايات المتحدة الأمريكية، فمع وصول بايدن إلى الرئاسة الأمريكية كانت هناك مجموعة من متطرفي العولمة والأطلسيين والمحافظين الجدد، ومؤيدي إنقاذ النظام العالمي الأحادي القطب بأي ثمن، وهؤلاء أنفسهم الذين حرّكوا احتجاجات ميدان «كييف» في عامي (2012- 2014)، لذلك بدأت جولة جديدة من التصعيد أدت إلى دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا خوفاً من العواقب الوخيمة على أمنها القومي، ومنع تسريع انضمام أوكرانيا واندماجها بحلف الـ«ناتو»، والمعروف أن روسيا لم تكن لديها نية لحلّ الموقف بالوسائل العسكرية، لكن الاستفزازات الأمريكية لم تترك خياراً لها، كما صرّح الرئيس بوتين وكبار المسؤولين الروس مراراً قبل دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، وأعلن بوتين أن اندماج أوكرانيا في الناتو – إلى جانب نصف السكان الذين يعدّون أنفسهم شعباً واحداً مع الروس- يمثل عبوراً إلى «الخط الأحمر»، لكن الغرب وبصورة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية صمّوا آذانهم وبدأ الاستفزاز الغربي يأخذ مداه ضد روسيا، ومن هنا كان لابدّ لروسيا أن تحافظ على مصالحها الحيوية في أوكرانيا، وأن تقوم بتخليص أوكرانيا من قبضة السياسيين القوميين المتطرفين الذين اختارهم الغرب فوراً.
ورغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون على روسيا فإن ذلك لن يغير من جوهر المسألة الحقيقي بأن روسيا عازمة على تحقيق أهدافها المرسومة بالحفاظ على أمنها القومي من الأخطار المحدقة بها من الذين يحكمون أوكرانيا من القوميين المتطرفين .
روسيا التي هزمت نابليون، ومن بعده هتلر، لا نعتقد أنها سوف تستسلم لأمريكا، فالرئيس بوتين خرج الآن الرابح الأكبر من الجولة الأولى من المواجهة مع أمريكا، فبلاده التي تعدّ أكبر مصدِّر للغاز والنفط في العالم تضخمت عوائدها في الأيام القليلة الماضية، فسعر برميل النفط ارتفع إلى 107 دولارات، والغاز بنسبة 35%، وقد تتضاعف الأسعار عدة مرات إذا توسعت دائرة التوتر، وهي تتوسع حتماً، أما الاقتصاد الأوروبي فسيكون الضحية الأكبر للعقوبات الأمريكية، ليس بسبب أسعار الوقود فقط، وإنما لانعدام حالة الأمن والاستقرار، واتساع شرخ الانقسامات داخلها، وربما بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، ونحن نعرف أن جوهر تاج العقوبات الأمريكية سيكون طرد روسيا من نظام «سويفت» المالي، وهذه الخطوة جرى الاستعداد لها بتأمين نظام مالي روسي- صيني بديل.
وخلاصة القول: إن أزمة أوكرانيا وتبعاتها ربما سيكون لها التأثير والعواقب نفسها على الولايات المتحدة الأمريكية، فالخصم هذه المرة هو صاحب القرار من دون منازع، ويريد إعادة إحياء الإمبراطورية السوفييتية، ويملك مخزوناً هائلاً من الكرامة وعزة النفس ولن يتردد في الدفاع عن مصالحه .
أكاديمي وكاتب عراقي