أميركا – تركيا .. تبييض سجون «داعش»
الولايات المتحدة أم تركيا.. أيّ منهما أعطت الضوء الأخضر لتنظيم «داعش» الإرهابي لتنفيذ هجومه على سجن الصناعة في حي غويران/الحسكة، في الـ20 من شهر كانون الثاني الماضي، بهدف” تحرير سجنائه” كما أعلن التنظيم الذي تمكن حسبما تورده التقارير الإخبارية من تحرير قيادات بارزة فيه، رغم ما يُقال عن إن الهجوم فشل وإن الوضع عاد إلى ما كان عليه، مستتباً لميليشيا “قسد”.!
ورغم أن الاهتمام خفّ بهذا الحدث، إلا أن من الصواب إبقاءه في دائرة الاهتمام، وإعادة تدوير الأسئلة حوله، وعدم الركون إلى مسألة أنه كان هجوماً فاشلاً، وأن «داعش» لن يعيد الكرة، فالوقت لن يطول قبل أن نشهد هجوماً مماثلاً، وعنذئذ لن تتوقف الأسئلة فقط عند المخاوف من عودة «داعش» وإرهابه، أو بعبارة أدق: إعادة «داعش» وتعويم إرهابه، ولن تتوقف عند من أعطى الضوء الأخضر، الولايات المتحدة أم تركيا؟
في هجوم «داعش» على سجن الصناعة، تركزت معظم الأسئلة حول سؤال واحد: هل هي عودة أم إعادة لـ«داعش»، حيث وجد معظم المحللين والمراقبين أن تطورات الوضع في منطقة شمال شرق سورية (وفي المنطقة المجاورة من العراق) تستدعي هذه الإعادة، وأن الولايات المتحدة كذّبت وتكذب عندما قالت وما زالت تقول إنها «أنجزت» مهمتها “بهزيمة ” «داعش». لنلاحظ هنا أن تركيا لا تقول المثل، بل هي تدعم فلول «داعش» علناً وتحمي قياداته، وعندما يتجه «أمراء» في «داعش»، إلى المناطق التي تحتلها القوات التركية، فهذا يعني أن النظام التركي يحميهم علناً، وبما يقود فعلياً إلى التأكد من أنه يدعم «داعش» ويدعم هجومه على سجن الصناعة… وعندما يقع هذا الهجوم وتتمكن قيادات داعشية بارزة من الفرار على مرمى عين من القوات الأميركية فهذا يعني أنها تدعم الهجوم وتدعم الداعشيين الفارين، بل ربما أمّنت (أي القوات الأميركية) الحماية لهم حتى وصل بعضهم إلى المناطق التي تحتلها القوات التركية من الأرض السورية.
كل هذا يستدعي جملة أسئلة أهم من سؤال ما إذا كانت الولايات المتحدة اتخذت قراراً بإعادة إحياء إرهاب «داعش» باعتبارها الذريعة الوحيدة لإبقاء قواتها المحتلة على الأرض السورية، ولتكريس الفصل بين سورية والعراق.. وأيضاً أهم من سؤال ما إذا كانت تركيا خططت للهجوم ودفعت «داعش» للتنفيذ؟
والأسئلة هي: إذا كان هناك قرار أميركي بإعادة «داعش»، فلماذا تم التراجع عنه… ولماذا تم اختيار سجن الصناعة وإعلان «داعش» أن الهدف (فقط) هو تحرير سجنائه… كان بإمكان «داعش» اختيار منطقة (رخوة) للهجوم عليها وبما يضمن له سهولة ويسر السيطرة عليها باعتبار أن الحديث يتم عن فلول وليس جماعات منظمة ومدربة ومجهزة ومحصنة كما كان عليه حالها عندما سيطرت وتسيّدت بين العراق وسورية في عام 2014.
… وإذا كان الهدف تحرير سجناء، فمن هم هؤلاء ولحساب مَنْ سيعملون؛ للولايات المتحدة أم لتركيا أم للطرفين معاً، وهل هم من سيقود في مرحلة لاحقة (قريبة) هجوماً أوسع يشمل السيطرة على منطقة ما لاتخاذها منطلقاً جديداً.
إذا كان تنظيم «داعش» الإرهابي لا يزال قادراً على تنفيذ هجمات على مناطق (وانتزاعها كما سجن الصناعة لولا مساعدة القوات الأميركية لميليشيا قسد كما يُقال) فهذا يعني سقوط الكذبة الأميركية حول هزيمة «داعش».. بل أخطر من ذلك يعني أن الولايات المتحدة نقلت (مؤقتاً) قيادة «داعش» إلى تركيا، بمعنى؛ إن هذه الأخيرة هي من يُعطي «أمر عمليات» لإطلاق إرهاب «داعش» في هذه المنطقة أو تلك، بدفع غير معلن من الولايات المتحدة، والأهداف بالطبع معروفة للجميع.. وعندما يُعطى أمر عمليات للهجوم على سجن يضم أخطر إرهابيي «داعش» وإطلاق العشرات منهم فهذا يعني أن هناك مخططاً إجرامياً إرهابياً كبيراً يتم العمل عليه، وهو – كما في عام 2014 – يستهدف سورية والعراق معاً، في عودة جديدة لتكريس الحاجز الجغرافي الذي أقامته «داعش» في ذلك العام، ليس فقط للفصل بين سورية والعراق، بل يستهدف الجوار أيضاً، إيران على سبيل المثال، بدليل مجريات مباحثات «الاتفاق النووي» في فيينا ومحاولة الضغط على إيران للرضوخ والتنازل عن حقوقها في الاستفادة من الطاقة النووية، فلا تكون حكراً على الغرب الاستعماري وحده. من هنا يأتي الحديث عن تبييض سجون «داعش»، أي إخلاؤها من سجنائها، بتعاون أميركي- تركي، بهدف إعادة زجهم في مخطط عدواني إرهابي جديد، إذ لا يخفى على أحد كيف تستثمر الولايات المتحدة وتركيا تنظيم «داعش» الإرهابي لإطالة مدة بقائهما قوة استعمارية معتدية على الأراضي السورية ونهب خيرات وثروات الشعب السوري.. بل هو استثمار مُعلن وموصوف لا تتحرج كلتاهما من المجاهرة به، ومن إشهار «داعش» ورقة ابتزاز وتهديد.. والهجوم على سجن الصناعة لم يكن إلا في هذا الإطار.. والابتزاز والتهديد هنا يضم حتى المجموعات الموالية للولايات المتحدة مثل ميليشا “قسد” ، والحال نفسه بالنسبة للمجموعات الإرهابية الموالية لتركيا..
(لنذكر هنا بهجوم «داعش» على سجن أبو غريب- العراق في عام 2013 وتمكنه من إطلاق 500 من سجنائه، أي قبل عام من الهجوم الكبير للتنظيم في عام 2014 وسيطرته على مناطق واسعة من سورية والعراق).
.. وهكذا فإن «داعش» لم يُهزم على يد الأميركيين كما كذبت واشنطن، بل إن واشنطن لم ترد هزيمته في يوم من الأيام وإنما ما حدث هو أنها جمّدته لحين الطلب، فكيف يُعقل لواشنطن أن تسمح لنفسها بأن تخسر ورقة رابحة، ممثلة بتنظيم «داعش» الذي أمنت عن طريقه موطئ قدم لها في شمال شرق سورية لتوسع بعد ذلك احتلالها وتكرس نهبها وسرقتها لثروات السوريين.. وبعد تأمين موطئ القدم كان لا بدّ من تجميد «داعش» إلى حين الضرورة.. الفارق هنا أن تركيا انضمت إلى الولايات المتحدة في استثمار إرهاب «داعش» إلى جانب جماعاتها الإرهابية الأخرى، وهي كما واشنطن تمد «داعش» بالمال والسلاح والحماية.
من هنا فإن كل ما يحدث في سورية (والعراق) هو مخطط عدواني إرهابي أميركي تركي، رأس الحربة فيه «داعش» وغيره من المجموعات والميليشيات الإرهابية، وهو مخطط ذو حدين، فمن جهة يمثل «داعش» ورقة ابتزاز للدول عبر القول لها إما نحن أو «داعش».. وللشعوب أيضاً عبر القول لها إما نسرقك نحن من دون قتل وتدمير، وإما يسرقك «داعش» مع قتل وتدمير؟.. هذا ما تسميه الولايات المتحدة والغرب الاستعماري العدواني: «حق الشعوب في تقرير مصيرها..!؟».
كاتب من العراق