أوكرانيا.. أصل الأزمة التدخل الأميركي
عندما تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991 أعلنت الجمهوريات التي كان يتكون منها، استقلالها- انفصالها عنه، ومنها جمهورية أوكرانيا، هذا الانفصال جاء بالدرجة الأولى بفعل تأثير النخب الفاسدة (الحاكمة) وبدعم مباشر من الغرب الرأسمالي لها، وكان من أمر هذه النخب أن اعترفت بسهولة بالجمهوريات الجديدة، ليصبح للاتحاد السوفييتي (روسيا الاتحادية فيما بعد) حدوداً جديدة مع ما يُقارب 17 دولة جديدة، ورغم أن أغلب جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق حافظت على علاقات تعاون وتحالف مع روسيا، أي ظلت موالية لها (وحتى أن بعضها كان ينشد العودة إليها) إلا أن بعض هذه الجمهوريات وقع تحت تأثير الغرب وتدخلاته، خصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية التي كان الاتحاد السوفييتي يقاسمها ويزاحمها على زعامة العالم، والتي عملت على استقطاب هذا البعض في اتجاه مناهض لروسيا الاتحادية التي عادت إلى الميدان العالمي بقوة وعادت خصماً (إستراتيجياً) للولايات المتحدة تقاسمها وتزاحمها تماماً كما كان حالها طيلة النصف الثاني -تقريباً- من القرن الماضي، بل عادت معها قوى أخرى لا تقل منافسة ومزاحمة، أبرزها الصين وإيران، إضافة إلى قوى صاعدة وتكتلات وتحالفات اقتصادية وعسكرية، جميعها تجعل الولايات المتحدة تتقلب على نار كوابيس خسارة المكانة والنفوذ العالميين الذين انفردت بهما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
تفكك الاتحاد السوفييتي لم يكن نتيجته فقط ظهور هذه الدول الجديدة (الجمهوريات المستقلة) بل كان من نتيجته أيضاً أن ذلك البعض الذي وقع تحت تأثير الهيمنة الأميركية وتدخلاته، انقسم بحدة، ومن هذا البعض كانت جمهورية أوكرانيا التي لم تشهد استقراراً منذ انفصالها عن الاتحاد السوفييتي ووقوعها على خط التسلط الأميركي.
في جديد هذه الأزمة اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واشنطن بمحاولة استدراج موسكو إلى حرب في أوكرانيا، وحذر بوتين من أن هدف الولايات المتحدة يتمثل في استخدام المواجهة ذريعة لفرض مزيد من العقوبات على روسيا.
وأكد الرئيس بوتين في تصريحات صحفية مؤخراً أن الولايات المتحدة تتجاهل مخاوف روسيا بشأن قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في أوروبا.
وجاءت تصريحات بوتين مع تصاعد التوتر في شرق أوروبا بسبب تعزيزات عسكرية روسية بالقرب من حدودها مع أوكرانيا.
الولايات المتحدة تصعد الاتهامات في المرحلة الحالية لتمهيد ميدان المواجهة المقبلة وتسوق هذه الاتهامات ذريعة لنشر ومضاعفة ترسانتها العسكرية في المنطقة، خصوصاً البحرية (البحر الأسود)، كما تسعى لتغيير اتفاقيات دولية، بعضها بخصوص قواعد الملاحة والعبور (في البحر الأسود بالتآمر مع تركيا) في سبيل نشر ما أمكن من عتاد وجنود لمحاصرة روسيا، أيضاً ربما تسعى الولايات المتحدة إلى تسريع ضم أوكرانيا إلى حلف الـ«ناتو» إمعاناً في استفزاز روسيا التي أكدت أن هذا الأمر يمثل «عبوراً إلى الخط الأحمر» بالنسبة لها.
أخيراً لا ننسى التذكير بأن روسيا لديها من أوراق القوة والضغط ما يكفي ويزيد، ليس فقط لناحية القوة العسكرية، بل لناحية مسألة الطاقة/ الغاز على سبيل المثال (نورد ستريم 1و2). لذلك إذا ما أرادت الولايات المتحدة مواجهة عسكرية مع روسيا فقد يكون عليها إسقاط حلفائها الأوروبيين من حساباتها، ونقصد هنا الأوروبيين ممن يمتلكون القرار والنفوذ كألمانيا على سبيل المثال، إذ إن مصالحهم الحيوية ترتبط بصورة أساسية مع روسيا أكثر مما هي مع الولايات المتحدة.
كاتب من العراق