الرأسمال الأمريكي ودوره في تقوية الإرهاب الإسرائيلي
في حزيران من عام 1985 وقعت الولايات المتحدة الأميركية مع الكيان الإسرائيلي اتفاقية للتبادل التجاري الحر.
هذه الاتفاقية شكلت ما يشبه انقلاباً في اقتصاد الكيان نقله من حال إلى حال حيث أتاحت له الإفادة من المشروعات المشتركة مع الولايات المتحدة في كافة المجالات الصناعية والزراعية والخدمات والتكنولوجية وحتى العسكرية، كما أتاحت له توسيع صادراته إلى أوروبا مستفيداً من كل الميزات التجارية التي وفرتها له هذه الاتفاقية.
لكن الأهم والأخطر كان في أن هذه الاتفاقية أعطت للكيان الإسرائيلي نقاط قوة في قضية الصراع العربي- الإسرائيلي، لناحية تمكين “إسرائيل” في العقود التي تلت من تنفيذ عمليات اختراق واسعة للاقتصادات العربية عبر التسلل إلى الأسواق العربية بتغطية أميركية- أوروبية، باعتبار أن الأسواق العربية تستورد الكثير من المنتجات الأميركية والأوروبية، التي يشارك الكيان الإسرائيلي فيها سواء «ترانزيت» أو في تصنيعها (في مستوطناته أو داخل الولايات الأميركية) بموجب تلك الاتفاقية.. وكان هذا هو الهدف البعيد للكيان الإسرائيلي من وراء هذه الاتفاقية التي أراد منها التسلل إلى الدول العربية عبر الاقتصاد، إذ إن هذه الاتفاقية هدفت إلى إعطائه هيمنة اقتصادية استطاع من خلالها لاحقاً امتلاك أوراق تأثير في عملية التفاوض السياسي التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي وتوقيع اتفاق أوسلو 1993 ووصل الأمر إلى درجة أن الولايات المتحدة باتت تطرح ما تسميه “السلام الاقتصادي” بدل السلام السياسي (الأرض مقابل السلام) على أن يكون الكيان الإسرائيلي هو الطرف المسيطر.
ربما كان العقد الماضي هو الأكثر ترجمة لما جناه الكيان الإسرائيلي من اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الولايات المتحدة، حيث إنه وإضافة للفوائد الاقتصادية على مستوى الداخل والعلاقات التجارية التي تعمقت مع دول عديدة في أوروبا وفي آسيا أيضاً، حقق الكيان فوائد اقتصادية على مستوى الإقليم، بما فيه دول عربية دخلت في عمليات اقتصادية مشتركة معه وبصورة علنية على خلفية مسار «مفاوضات السلام» الذي بدأ بين الفلسطينيين والإسرائيليين في تسعينيات القرن الماضي، كما ذكرنا آنفاً، وبدعوى مساعدة الشعب الفلسطيني ودعمه اقتصادياً لتحسين أوضاعه المعيشية التي وصلت إلى الحضيض بفعل «الهيمنة الاقتصادية» التي منحتها الولايات المتحدة لـ”إسرائيل” إثر اتفاقية التبادل التجاري الحر معها، هذه الهيمنة التي تحولت إلى إرهاب اقتصادي إسرائيلي مُضافاً إلى الإرهاب العسكري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
ومن ضمن سلسلة الأهداف البعيدة التي وضعها الكيان الإسرائيلي من وراء تلك الاتفاقية ما يسميه «سوق شرق أوسطية» مشتركة أو واحدة ، لا فرق، يكون أيضاً هو المسيطر فيها فيما بقية الأسواق مجرد أماكن استهلاكية لمنتجاته أو أماكن عبور لها، ويكون بذلك وجه ضربة لحركة المقاطعة العربية، وما يماثلها على المستوى الدولي، ففي أوروبا مثلاً هناك تيار واسع ومؤثر يدعو لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، ونجح مرات عديدة في تحقيق مقاطعة واسعة لها، مُشكلاً بذلك مصدر قلق دائم للكيان الإسرائيلي.
كما أن تحقيق هدف سوق شرق أوسطية واحدة من شأنه أن يُنهي تماماً أي مفاوضات سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أي يُنهي القضية الفلسطينية باعتبار أن هذه السوق ستكون بمنزلة تشكيل نظام إقليمي جديد قوامه الاقتصاد وليس السياسة، أي ليس الأرض مقابل السلام.. ولأن الكيان الإسرائيلي سيكون متفوقاً بالاقتصاد بفعل الاتفاقية التجارية الحرة مع الولايات المتحدة فإن هذه النظام الإقليمي لن يكون عادلاً بالاقتصاد، تماماً كما لم يكن عادلاً في السياسة، وسيكون ميزانه منحرفاً بشكل كامل للكيان الإسرائيلي، ليحقق بالاقتصاد ما لم يحققه بالعسكرة وبالحروب.. هذا هو الهدف البعيد والنهائي للولايات المتحدة وكيانها الإسرائيلي الإرهابي منذ عام 1985 تاريخ توقيع هذه الاتفاقية.
طبعاً نحن هنا لا نجزم بأن هذا الهدف سيتحقق وأن لا مفر ولا مهرب منه، نحن نتحدث فقط عن هدف تسعى الولايات المتحدة وكيانها الإسرائيلي لتحقيقه، أو لفرضه بعبارة أدق وهي تعلم أنه ليس بالهدف السهل التحقيق في ظل متغيرات المنطقة والإقليم التي لا تأتي جميعها بما يخدم هذا الهدف، هذا ونحن لم نتحدث عن محور المقاومة المتفوق المتسلح بالعزيمة والإرادة والصمود، وقوة الحق والنضال في سبيل هذه الحق وعلى رأسه القضية الفلسطينية، وهو يقف بالمرصاد لكل المخططات الأميركية والإسرائيلية.
كاتب من العراق