السودان.. المؤامرة الأميركية لا تخفي نفسها
لا شك أن الأحداث والاضطرابات المستمرة في السودان -كما هي حال معظم دول المنطقة– تكمل رسم صورة الأهداف الحقيقية الخبيثة من وراء مشروع «الفوضى السياسية» الذي تريد الولايات المتحدة تعميمه على كل المنطقة، ليس لنشر “الديمقراطية والحريات” كما تدعي وتزعم بل لتكريس الأزمات والتناحر بالاعتماد على قضية أساسية وهي تعويم العرقية والطائفية، وإشعال نار فتنتها في كل مكان تستطيعه، وبين أبناء الشعب الواحد وصولاً إلى زرع الانقسام والتقسيم، وتفتيت الخرائط السياسية والوطنية للدول وتحويل خريطة الدولة الواحدة إلى عدة خرائط تعتمد ديموغرافيا عرقية وطائفية تمهد الطريق باتجاه التقسيم الجغرافي.. وهكذا تنقسم كل دولة على نفسها جغرافياً وديموغرافياً، تتناحر وتتصارع مكوناتها الشعبية في الداخل من جهة، ومع الجوار ومكوناته الشعبية من جهة ثانية.. لتستمر الفوضى والاضطرابات التي تبدو بلا نهاية، ما دامت هذه النهاية هي أساساً بيد الدول التي تشعل الفوضى والاضطرابات وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.. وبالتالي يُسهل على هذه الدول، دول الاستعمار الجديد، فرض اتفاقات الإذعان والخضوع.
هذا ما يجري في السودان، حاله حال أغلب دول المنطقة، وهذه مسألة لا تخفى على أحد، ونحن لا نأتي بجديد إذ نذكرها، ولكن لا بد أن نواصل فعل ذلك، من باب إدامة تعرية وفضح المؤامرات الأميركية/ الغربية المستمرة لاستهداف أمتنا، والتي تتفنن في كل مرحلة في استحضار أدوات التدمير والترهيب، في سبيل تحقيق أهداف مؤامراتها.
في السودان، تدفع الولايات المتحدة والغرب المتحالف معها، باتجاه تقسيم هذه الدولة عرقياً وطائفياً إلى أقاليم متناحرة تبعدها أكثر فأكثر عن محيطها، وعن الأمة.
ومع استمرار الاضطرابات والفوضى فإن هذا الابتعاد يتسع ويتعمق ويتكرس كنهج يُفترض أنه سيقود السودان في نهاية المطاف إلى الوقوع في حفرة التبعية والخضوع ليس لأميركا والغرب الاستعماري فقط، فهذا الهدف هو نصف المؤامرة، أما النصف الثاني فهو الخضوع والتبعية للعدو الإسرائيلي عبر ربط السودان معه باتفاقيات تزعم أميركا «وغربها» أنها اتفاقيات سلام، وأنها تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني.
أما نهب ثروات السودان والتحكم بمقدراته الاقتصادية، فهذه تأتي لوحدها في ظل اتفاقيات التبعية والخضوع و«السلام المزعوم».. والسودان بلد الخير الوافر جداً حتى أنه يسمى بـ«بسلة العرب» الغذائية الزراعية لخصوبة أراضيها ووفرة محاصيلها وتنوعها.. تماماً كما هي قارة إفريقيا التي توصف بأنها سلة الغذاء العالمية.
وبالأهداف الأبعد جغرافياً، فإن هذه المؤامرة الأميركية إذا ما قُدر لها أن تكتمل فإن الولايات المتحدة لا تتحكم بالسودان فقط بل بجواره الجغرافي الذي يحتل مساحة بارزة –جغرافياً واقتصادياً– في قارة توصف بأنها قارة المستقبل، هذا عدا عن المؤامرة الأميركية الأوسع لإحكام الطوق على جميع الدول العربية بجناحيها الآسيوي والإفريقي، وفق مشروع «الشرق الأوسط الكبير».
حتى الآن، لا يبدو أن المؤامرة الأميركية على السودان وشعبه حققت أهدافها النهائية، بدليل استمرار التدخلات الأميركية/ الغربية فيه، واستمرار حالة الفوضى والاضطرابات بحيث لا يكاد يهدأ ليوم واحد.. وهذا يعني بالأساس أن الشعب السودان ما يزال يقاوم ويرفض، وما زال قادراً على إسماع صوت المقاومة والرفض إلى أميركا وحلفائها وإلى «إسرائيل».. الشعب السوداني لم يكن في أي يوم إلا شعباً حيّاً، شعباً عربياً متمسكاً بأمته وبوحدة الأهداف والمصير والمستقبل معها، وهذا ما تعمل المؤامرة الأميركية على محاولة النيل منها.
لا شك أن ما يجري في السودان انعكس إلى حد كبير على الجوار، فهو أيضاً مستهدف في المؤامرة الأميركية على السودان، خصوصاً أثيوبيا والصراع من إقليم تيغراي الحدودي مع السودان (من جهة الغرب) والذي أدى الصراع بينه وبين الدولة المركزية إلى أزمة نزوح حادة، حيث استقبل السودان عشرات الآلاف من النازحين الإثيوبيين، هذا عدا عن الاقتتال الذي اندلع بين مناطق حدودية سودانية وإثيوبية استغلتها الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة في سبيل محاصرة السودان أكثر وفي سبيل تكريس حالة الفوضى والاضطرابات وبما يضعف أكثر فأكثر السودان كدولة وكشعب وقرار سيادي ومستقل.. ولنذكر هنا بما أورده الإعلام الإسرائيلي نفسه، خلال الشهر الماضي، من أن الولايات المتحدة طلبت من «إسرائيل» مناطق حدودية متنازع عليها التدخل في السودان خلال لقاء وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس مع السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس.
هذه هي الولايات المتحدة وهذه مخططاتها ومؤامراتها على أمتنا والتي لا تخفى على أحد.. ما يخفى فقط هو أن هذه المخططات والمؤامرات تتخذ في كل مرحلة شكلاً جديداً أكثر تدميراً وترهيباً، وبالتالي لا بد أن تكون الأقلام مشحوذة دائماً لتبقى الهمم عالية دائماً وليبقى السلاح «صاحياً» دائماً.
كاتب من العراق