مهزلة الانتخابات الليبية!
منذ أعلن قبل شهور عن إجراء الانتخابات الليبية في 24 الشهر الجاري وأنا أشكك في إمكانية إجرائها, في ظل هذه الأوضاع المضطربة بالداخل الليبي, ومع اقتراب الموعد كانت الشكوك تزداد, وعندما أعلن رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية في يوم 8 تشرين الثاني الماضي على أن يستمر تلقي الطلبات حتى 22 من الشهر نفسه كنا نتابع الأخبار يوماً بيوم بل ساعة بساعة وكانت المؤشرات جميعها لا تبشر بخير.
فعند غلق باب الترشيح كانت المفوضية قد تلقت 98 طلباً للترشيح, وهو ما أصاب المتابعين بدهشة كبيرة.. دولة مثل ليبيا وعدد ناخبين لا يتجاوز ثلاثة ملايين تشهد كل هؤلاء المرشحين وكأنها انتخابات نيابية أو محلية وليست انتخابات رئاسية على مقعد واحد فقط.
وبالطبع ارتفاع عدد المرشحين يُصعّب المسؤولية على المفوضية العليا للانتخابات خاصة في عملية فحص الطلبات للتأكد من سلامة الشروط القانونية للترشح على جميع المرشحين، حيث كانت المدة المحددة يومين فقط.
وبالفعل في 24 تشرين الثاني الماضي أعلنت مفوضية الانتخابات الليبية عن قائمة أولية تضم 73 مرشحاً للانتخابات الرئاسية, بالإضافة إلى قائمة أخرى تضم 25 مرشحاً مستبعداً لعدم استيفاء شروط الترشح, وأعلنت المفوضية في بيان لها أن فترة الطعون في إجراءات وقرارات المفوضية للمرشحين الذين تم قبولهم أو رفضهم يكون خلال المدة القانونية المحددة (12 يوماً).
وخلال فترة الطعون شهدت الساحة الانتخابية مهازل كبرى ضد أبرز المرشحين كان أشهرها, قيام المفوضية باستبعاد سيف الإسلام القذافي، المرشح صاحب الحظوظ الأكبر، بذريعة وجود حكم قضائي نهائي عليه, وهو ما يخالف الواقع، حيث كان قد صدر ضده حكم غيابي بالإعدام من محكمة طرابلس في عام 2015 وهو حكم أولي، سبق الاستئناف عليه ولم يصدر به أي حكم نهائي حتى الآن, لذلك قضت محكمة سبها بقبول الطعن وأصدرت حكماً ببطلان قرار استبعاد القذافي من السباق الانتخابي, وخلال تداول الطعن حوصرت المحكمة من المعارضين لترشحه لمنع القضاء من إصدار هذا الحكم, ولم تتوقف المهزلة عند هذا الحد بل إن مجلس المفوضية قام باستئناف الحكم لترد محكمة استئناف سبها يوم 2 كانون الأول الجاري بحكم نهائي بقبول الطعن المقدم من سيف الإسلام القذافي وإلزام المفوضية بإعادته إلى السباق الرئاسي.
ولم تتوقف المهزلة عند هذا بل انتقلت للمرشح الثاني الأبرز وهو المشير خليفة حفتر، حيث قضت المحكمة الابتدائية بمدينة الزاوية الليبية مساء يوم 30 تشرين الثاني باستبعاده من السباق الانتخابي, ورفضت محكمة استئناف طرابلس يوم 6 كانون الأول الجاري حكم الطعن الصادر ضد حفتر من محكمة الزاوية الابتدائية لعدم اختصاصها المكاني في نظر الدعوى, وبناء على هذا الحكم عاد حفتر للسباق الرئاسي.
وانتقلت المهزلة لتطول المرشح الثالث عبد الحميد الدبيبة، حيث أعلنت لجنة الطعون الابتدائية بمحكمة استئناف طرابلس يوم 28 تشرين الثاني الماضي قبول الطعن ضده وإلغاء قرار المفوضية بشأن ترشحه, وذلك بعد تلقي المحكمة طعنين ضده, لكن لجنة الطعون الاستئنافية في محكمة طرابلس قضت برفض الطعنين المقدمين ضد الدبيبة وعودته للسباق الرئاسي.
ولم تنتهِ المهزلة عند الطعون التي حسمتها ساحة القضاء الليبي بل إن الساحة المجتمعية شهدت عدة احتجاجات ورفض لأبرز المرشحين, حيث شهدت عدة مراكز انتخابية غرب ليبيا (الزاوية– غريان– الخمس– زليتن) اقتحامات وإغلاقات من أفراد وجهات رافضة لترشح كل من القذافي وحفتر، واعترض المحتجون على قانون الانتخابات الذي مرره البرلمان الليبي, وأعلن المجلس البلدي لمدينة مصراتة أن المقر الفرعي للانتخابات شهد وقفة احتجاجية رفض من خلالها إجراء الانتخابات في صورتها الحالية المعيبة كما وصفوها واتهموا مفوضية الانتخابات بالتآمر على الشعب الليبي وطالبوها بالاعتذار.
وانتقلت المهزلة إلى الساحة السياسية حيث دعا خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا إلى مقاطعة الانتخابات احتجاجاً على السماح بترشح القذافي وحفتر.
ودعا الصادق الغرياني مفتي المجلس الوطني الانتقالي المؤقت من مقر إقامته في تركيا إلى إغلاق المفوضية ومنع الانتخابات ولو (بقعقعة السلاح).
ولم تقف المهازل عند هذا الحد بل إن بعض المتظاهرين المحسوبين على المليشيات المسلحة قاموا باقتحام مقر المفوضية العليا للانتخابات بالعاصمة طرابلس في محاولة للاعتصام بها رفضاً للانتخابات, وعلى الرغم من انتهاء فترة الطعون إلا أن المفوضية العليا للانتخابات لم تصدر بعد القائمة النهائية التي ستخوض السباق الانتخابي, وبالطبع لم تعط إشارة انطلاق الحملات الدعائية للمرشحين, ولم يتحدد موعد الصمت الانتخابي على الرغم من أننا أصبحنا على مرمى حجر من الموعد المحدد للاستحقاق الرئاسي, وهناك أصوات تطالب بالتأجيل, وهو ما يثبت صحة وجهة نظرنا من البداية بأن هذا المسار لا يمكن أن يُفضي إلى حل الأزمة الليبية, وأن المجتمع الدولي والفاعلين على ساحته ليسوا جادين في إنهاء تلك الأزمة, ولا بد من حلول بعيدة عن أصحاب المطامع في ثروات الشعب العربي الليبي.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
كاتب من مصر