الصراع العالمي الجديد.. وفرصة العالم الثالث
لا شك أن حرباً باردة جديدة تتشكل ملامحها اليوم بشكل أكبر مما مضى بين أميركا وحلفائها من ناحية، والصين وحلفائها من الناحية الأخرى.
وتبدو واشنطن مهزوزة أمام بكين على الصعيد الاقتصادي بشكل يثير قلق النخب الأمريكية، ويدفعها لتبني نظرة سوداوية بخصوص المستقبل.
وقد أصبحت الصين الشغل الشاغل لكل الجالسين على كرسي إدارة البيت الأبيض دون فارق يذكر بين جمهوري أو ديمقراطي، واتجهت مراكز البحث الأمريكية إلى تسخير باحثيها للتنقيب عن نقاط الضعف في جسد المارد الصيني والآليات التي يمكن عبرها إخضاعه أو على الأقل تكبيل طموحه وإخماد فورانه التجاري.
حسب نزار بوش، وهو أستاذ للعلاقات الدولية في جامعة موسكو، هناك تحالف غير معلن بين الصين وروسيا لمواجهة الولايات المتحدة، وأن الشراكة بين البلدين وصلت إلى مدى متقدم للغاية، غير أن بكين وموسكو ترفضان التصريح بذلك لعدم استفزاز الغرب وأمريكا، لأن البلدين يخططان للوصول إلى العالم الغربي، وليس خوض الحرب المباشرة معه.
ما يميز حالة الصراع بين الصين وأمريكا، هو استبعاد الطرفين للحرب العسكرية المباشرة، لكن هذا الأمر لا يمنع من بعض المناكفات المسلحة بين حلفاء أمريكا من جهة والصين من جهة أخرى في بحر الصين الجنوبي على سبيل المثال، أو أن تتدخل المخابرات الأمريكية لتمويل وتسليح بعض الجماعات السلفية الانفصالية في شينجيانج شمال غربي الصين.
مؤخراً أثار الإعلان المفاجئ عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد أستراليا بنحو ثمانٍ من الغواصات النووية خلال سنوات كجزء من تحالف جديد يحمل اسم «اوكوس» ويشمل أيضاً بريطانيا، صدمة لبكين وقيادتها العسكرية، خاصة أن أستراليا تحتل موقعاً مميزاً على المحيطين الهندي والهادي جنوب الصين.
ويتفق خبراء الغواصات النووية على أن تلك الصفقة ستعزز من قوة التحالف «الأمريكي-البريطاني-الأسترالي» في الفناء الخلفي للصين، حيث تسعى الإدارة الأميركية إلى توجيه سياستها الخارجية نحو منطقة المحيطين، وسيكون للغواصات ذات التكنولوجيا المتطورة مزايا إستراتيجية متنوعة، فهي أكثر قوة وتتمتع بقدرة أكبر على التخفي والمناورة.
الجديد اليوم هو أن واشنطن ولندن تلحان بل تضغطان بشدة على العديد من دول العالم الثالث لتبني خطاً سياسياً واقتصادياً ضد الصين، وسيتم ترك عمليات التنفيذ للإدارات المحلية بهدف بناء نهجها الخاص الضار ببكين، غير أن ما يجب أن يدركه قادة العالم الثالث أنهم أمام فرصة تاريخية لتحقيق قدر كبير من الاستقلال السياسي بعد أن اهتز وضع الولايات المتحدة الأمريكية كقطب مهيمن على العالم لعقود بفضل الضربات المتتالية التي يوجهها التحالف الروسي- الصيني إلى قلب واشنطن، كما أن العالم الثالث يملك الفرصة أيضاً لاستثمار هذا الصراع لتنمية قدراته الاقتصادية، عبر التحالف مع الصين، خاصة أنها لا تملك مشروعاً سياسياً أو ثقافياً للهيمنة، بل يمكن أن يتأسس التحالف معها على أساس مجرد المصلحة الاقتصادية من ناحية، والمصلحة السياسية في إضعاف القوى الغربية ومشاريعها الاستعمارية من ناحية أخرى.
كاتب من مصر