أسرى جلبوع.. وإعادة الأمل لأمّة منهكة
رغم تمكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي من القبض على الأسرى الفلسطينيين الستة الذين نجحوا في التحرر من سجن جلبوع الإسرائيلي، إلا أن أصداء العملية البطولية التي نفذوها لا تزال تسيطر على مواقع التواصل العربية.
ولربما يكشف هذا الأمر عن مدى شوق الشباب العربي لشيء من هذا النوع يبث فيهم الأمل وسط مناخ عام مليء بكل ما يُنهك ويُؤلم ويُكرس الفشل كقدر محقق للأمة العربية.
في فجر السادس من أيلول، بدأ الأسرى الـ6 يخرجون عبر “نفق الحرية”، يتقدمهم الأسير زكريا الزبيدي، وخلفه محمود عبد الله عارضة، ومحمد قاسم عارضة، ويعقوب محمود قادري، وأيهم فؤاد كمامجي، ومناضل يعقوب نفيعات، وكان أحدهم قد استصعب الخروج فسحبه البقية، حسب رواية موقع “وإلا” الإسرائيلي.
نحو عشر دقائق، قضاها الأسرى بجانب نفقهم “نفق الحرية”، قبل الانتقال إلى الأراضي المحيطة بسهل بيسان، ثم شرعوا في السير حوالي 7 كيلومترات على أقدامهم إلى قرية الناعورة، وكانت الخطة أن يتجهوا إلى جنين قبل أن تتبدل الأمور بعد أن عززت قوات الاحتلال من حضورها وأغلقت جميع المنافذ المؤدية إلى الضفة الغربية، ليقرروا الانقسام إلى ثلاث مجموعات.
بعد أيام من عملية الفرار، قبضت سلطات الاحتلال على أربعة من الأسرى هم (زكريا زبيدي، ومحمود ومحمد العارضة ويعقوب قادري) من خلال وحدات خاصة بمساعدة الكلاب البوليسية وقصاصي الأثر وطائرات مسيرة ومروحية، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، حيث تم القبض أولاً على محمود عارضة ويعقوب قادري في مدينة الناصرة العربية شمال الأراضي المحتلة، على بعد 30 كم من سجن جلبوع، وبعدها بساعات تم إلقاء القبض على زكريا الزبيدي ومحمد عارضة، في بلدة الشبلي أم الغنم، على بعد 17 كم من سجن جلبوع، قطعاها سيراً على الأقدام، حينما كانا يختبئان في مرآب للشاحنات، حيث كان عارضة نائماً داخل شاحنة، وزبيدي يسير مرهقاً على بعد 15 متراً، ثم لاحقاً تمكنت شرطة الاحتلال من القبض على الأسيرين الآخرين (نفيعات وكمامجي) في منزل بالحي الشرقي من مدينة جنين بالضفة الغربية، وذلك بعد 13 يوماً من البحث المتواصل منذ فرارهما.
بشكل عام كان تفاعل مواقع التواصل ووسائل الإعلام العربية مع أحداث العملية إيجابياً ومبهراً، كانت العملية بمثابة صفعة حقيقية على وجه الاحتلال، وبعد أن أثبتت صواريخ المقاومة فشل القبة الحديدية، جاء الأسرى ليثبتوا الأسطورة الكاذبة للنظام الأمني الإسرائيلي، وليؤكدوا خيبة كل مشاريع الاستسلام وضحالة منطق دُعاتها، وليضعوا كل اتفاقيات التطبيع في سلة المهملات، وهي الاتفاقات التي تم توقيعها بمبررات خائبة تزعم “العقلانية” و”مراعاة موازين القوى”.. الموازين التي قلبها الأبطال الستة رأساً على عقب، ووضعوا قانوناً جديداً عنوانه: الإرادة العربية.
لا شك أن حكومة الاحتلال قد حشدت كل طاقتها بهدف التسريع من عملية القبض على الأسرى، والهدف لم يكن سوى استعادة ماء وجهها، الذي نجح الزبيدي ورفاقه في إراقته.
فحسب الإعلام العبري استخدمت الشرطة الإسرائيلية كافة إمكاناتها التقنية والبشرية بهدف إلقاء القبض على الأسرى، ومن ثمّ حصار مشاعر الفخر التي انتابت الوطن العربي كله، بل أعطت أملاً عاماً لكل إنسان مستضعف ومسلوب الحق على وجه الأرض بأنه قادر على فرض إرادته والتحرر من “سجّانيه” شرط الإيمان بذاته والتسلح بالإرادة والأخذ بالأسباب العملية التي تمكنه من تحقيق غاياته النبيلة.
حسب تحقيقات جهاز «الشاباك» ومصلحة السجون الإسرائيلية فإن “نفق الحرية” الذي حفره الأسرى الفلسطينيون الستة استمر أكثر من 6 أشهر، وهذا ما يكشف عن حجم العزيمة التي امتلكها هؤلاء الأبطال، خاصة وأنهم لم يتلقوا أي مساعدة خارجية، سواء في إعداد تلك الخطة المحكمة أو خلال التنفيذ الدقيق والأسطوري للعملية.
إن “الأمل” بالنسبة للأمم هو الوقود الذي يدفعها إلى المجد، ولقد عملت الجهات المعادية لأمتنا المنهكة على الدوام على نزع هذا “الأمل” وإشاعة مقولات شديدة العنصرية حول عدم قدرة العرب على التحرر والنجاح في إدارة أمورهم. خلال العام الجاري 2021 جاءت معركة “سيف القدس” ثم بطولة “أسرى جلبوع” لتعيد هذا الوقود الذي يحتاجه وطننا، بعد أن تم استنزافه معنوياً ومادياً بفعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية.
كاتب من مصر