هل تتأثر مصر بوصول “طالبان” لحكم أفغانستان؟

ارتبطت مصر بالملف الأفغاني منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين، حين أخذ أنور السادات (رئيس مصر حينها) على عاتقه دعم المقاتلين الأفغان والعرب من أبناء القبائل والإسلاميين في مواجهة الاتحاد السوفييتي والحكومة اليسارية التي كانت تحكم أفغانستان، وأخذ الدعم صوراً متعددة منها العسكري والإعلامي والبشري، بينما تولّت الدول الخليجية الغنية مسألة التمويل، وجاء ما سبق ضمن خطة أمريكية لاستنزاف السوفييت وإنهاكهم، وقد آتى المخطط الأمريكي ثماره في نهاية المطاف بانسحاب الجيش السوفييتي عام 1989.

في التسعينيات شربت الحكومة المصرية من ذات الكأس، حيث عانت البلاد من العمليات الإرهابية التي نفذها متطرفون مصريون كانوا قد قاتلوا في أفغانستان بهدف إنشاء “إمارة إسلامية ” ثم عادوا إلى بلادهم حالمين بتطبيق الشريعة وهدم نظام الحكم القائم، واستقبلت تلك الجماعات المتطرفة حينها دعماً من الخرطوم التي كانت قد سقطت تحت حكم الإسلاميين بزعامة حسن الترابي وعمر البشير، وكانت توفر ملاذاً للملياردير السعودي أسامة بن لادن ورفيقه أيمن الظواهري زعيم حركة الجهاد الإسلامي التي شكلت نواة تنظيم «القاعدة» حينها.

بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان عام 2001، تمت إزاحة حركة “طالبان” عن الحكم، ثم سعت أمريكا ظاهرياً لفرض نظام حكم ذي طبيعة مغايرة، إلا أن تلك المساعي كانت مضللة وانتهت إلى الفشل.

ومع الانسحاب الأمريكي في عام 2021 وجدت “طالبان” طريقها إلى كابول، وأحكمت قبضتها على معظم البلاد مجدداً، وجاءت تلك التطورات بعد تفاهمات قادتها قطر بين “طالبان” والإدارة الأمريكية، الأمر الذي دفع قطاعاً من المحللين السياسيين للقول إن إشعال أفغانستان وتركها للسقوط في أحضان “طالبان” يستهدف في نهاية المطاف خلق بؤرة توتر تعوق مصالح حزام من الدول تشمل الصين وروسيا وإيران، بما يخدم المخطط الأمريكي بنهاية المطاف.

بالعودة إلى الشأن المصري، فإنه ما من شك أن مؤسسات الدولة التي خاضت قتالاً عنيفاً مع الجماعات الإسلامية المتطرفة طوال السنوات الثماني الماضية، يُزعجها وصول جماعة شبيهة إيديولوجياً -بشكل أو بآخر- إلى حكم دولة في آسيا الوسطى، خاصة أن المسألة قد تمت برعاية قطرية، ومعروف حجم تعارض المصالح بين القاهرة والدوحة منذ إزاحة «الإخوان» عن الحكم في يوليو 2013.

تخشى مصر من تحول أفغانستان تحت حكم “طالبان” إلى حاضنة لكل الجماعات المتطرفة التي تلقت هزائم متتالية في العديد من الدول العربية، وأن يكون سكونهم في الحاضنة الأفغانية هدوءاً يسبق العاصفة، أو يتحين فرصة «ربيع جديد» لكي يشعل المنطقة، ويسعى إلى إشاعة الفوضى وتدمير مظاهر المدنيّة والحداثة فيها.

كما أن وصول حركة “طالبان” للحكم بقوة السلاح، قد يمنح انتعاشة إيديولوجية للجماعات «الجهادية» التي تتبنى نهج التغيير بالعنف، خاصة مع الفشل المتتالي لما يسمى «الإسلاميين الوسطيين» في الوصول للحكم أو الحفاظ عليه سواء بمصر أو تونس أو المغرب.

وقد اتضح ذلك الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال رصد دفاع شباب جماعة الإخوان عن “طالبان”، ومساعيهم لتبرير جرائمهم، إلى حد السخرية من شعارات السلمية التي أطلقها مرشد الإخوان المصري، متجاهلين في الوقت ذاته أن صعود “طالبان” الأول لحكم كابول في عام 1996 كان على حساب أمثال (برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود وعبد الرسول سياف وقلب الدين حكمتيار) الذين هم امتداد إيديولوجي صريح لأفكار جماعة الإخوان والذين خاضوا صراعاً داخلياً على السلطة أدى إلى خراب البلاد ودمارها، كما أن “طالبان” لا تنتمي في أصولها الفكرية للإسلام الحركي أو الجهادي، ولم تتأثر بكتب أبو الأعلى المودودي وسيد قطب، وإنما هي حركة محلية الطابع وتجمُّع لطلبة العلوم الشرعية، دخلت بعد وصولها إلى السلطة في تحالف مع القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن.

لا شك أن آمال مصر وغيرها من العواصم العربية كان أن يستمر تشتت الجماعات المتطرفة، وأن تواصل أجهزة الأمن والإعلام العربية تعقبهم وتدمير بنيتهم وأن يتعرض أتباعهم لهزّات اجتماعية تدفعهم لمراجعة أفكارهم، بحيث لا تقوم لهم قائمة في القريب.. لكن تغير الأمور في أفغانستان، وبروز الدور القطري/التركي، ربما سيُسقط هذه الآمال، حيث ستوفر “طالبان” الملاذ لكل أبناء الحركات الإسلامية، وستحميهم من تعقب القوى الأمنية، كما ستعفيهم من عقد مراجعات ذاتية، بل إن كثير من أبناء الحركة الإسلامية سيعتبرون عودة “طالبان” لحكم كابول دليل على “صحة” ما يعتنقونه من أفكار.

كاتب من مصر

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار