حلف شمال الأطلسي و”استعراض العضلات” في البحر الأسود
على مدار 12 يوماً تجري مناورات “نسيم البحر” العسكرية في البحر الأسود بالقرب من السواحل الروسية، حيث تحتشد قوات حلف شمال الأطلسي بالإضافة لجيوش عدد من دول العالم التي تتبنى سياسات متوائمة مع المصالح الغربية لإيصال رسالة استفزاز وتحدٍ إلى موسكو، خاصة أن المناورات تجري برعاية أساسية من أوكرانيا التي توترت علاقاتها مع روسيا منذ الأحداث الفوضوية التي حصلت في 2014 وأطاحت بالرئيس الأوكراني المنتخب “فيكتور يانوكوفيتش” ووضعت كييف في فلك المصالح الأورو- أمريكية.
وقد جاءت المناورات، التي يفترض أن تنتهي في 10 تموز 2021، في أعقاب تصاعد التوترات بين حلف شمال الأطلسي وموسكو، بعد أن أطلق الجيش الروسي طلقات تحذيرية وأسقط قنابل في مسار سفينة حربية بريطانية لإخراجها من المياه الروسية قبالة شبه جزيرة القرم.
روسيا من جانبها عبرت عن اعتراضها على إجراء تلك المناورات، ووصفتها بأنها تمثل خطرًا أمنيًا حيث ترفع من احتمالية انفجار الأوضاع ولو نتيجة حوادث غير مقصودة، وكشفت عن معلومات تتعلق بقيام الـ”ناتو” بتزويد أوكرانيا بأسلحة حديثة، ستجد طريقها لإلهاب الصراع في دونباس شرق البلاد، أما على سبيل المواجهة الميدانية فقد قامت روسيا باختبار جاهزية دفاعاتها الجوية في شبه جزيرة القرم، حيث اختبرت جاهزية أنظمة إس– 400 وبانتسير للدفاع الجوي، كما أجرت خمس سفن بحرية روسية تدريبات في البحر الأبيض المتوسط صدّت خلالها هجوماً لعدو افتراضي، ونفذت مقاتلات “ميغ– 31 كي” وقاذفات بعيدة المدى من طراز “تو– 22 إم 3” خلال هذه التدريبات عمليات إطلاق إلكترونية بمرافقة مقاتلات “سو– 35″ و”سو– 34”.
حسب كتاب ومراقبين فإن مناورات “نسيم البحر” لا تتخطى كونها محاولة لاستعراض العضلات من جانب القوى الغربية في أقرب نقطة ممكنة من المسرح الروسي، بيد أن تلك المحاولة الاستعراضية لن تنجح في إحداث أي تغيير بالواقع السياسي الدولي أو الإقليمي، فلن ينجح حلف شمال الأطلسي، مثلاً، في سلب شبه جزيرة القرم من روسيا، كما لن يتمكن السلاح الحديث الذي سيتم منحه لأوكرانيا من تغيير نتائج الصدام العسكري في شرق البلاد والذي يجري منذ نهايات 2014 بين الأوكرانيين المواليين لروسيا من جهة والقوى المدعومة من الحكومة الأوكرانية من جهة أخرى، ناهيك عن فشل تلك المناورات في النيل من هيبة روسيا العسكرية، بعد أن أكدت الأخيرة استعدادها الميداني لمواجهة أي تطورات هذا بالإضافة لرصيد النجاح الذي حققه الجيش الروسي في العديد من الميادين حول العالم خلال العقدين الأخيرين تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين.
جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكما هو المتوقع، أعلن عن مشاركته في مناورات «نسيم البحر»، كما أن تركيا تحت قيادة رجب أردوغان أرادت تأكيد انضوائها تحت لواء البيت الأبيض ودورها الإقليمي الخادم لمصالح “ناتو” فهرعت للمشاركة، وقد كان من المخجل أن تشارك دول عربية مثل الإمارات ومصر والمغرب في تلك المناورات حيث لا ناقة عربية ولا جمل سوى الحصول على مباركة زعيم البيت الأبيض الجديد “جو بايدن”!.
بالعودة إلى أهداف المناورات من وجهة النظر الأمريكية، فإن واشنطن تطمح عبر تعميق العلاقة العسكرية مع أوكرانيا إلى تحويلها إلى قنبلة موقوتة شرق روسيا، بحيث تستنزف طاقة موسكو من جهة وتضع حاجزًا بينها وبين التمدد شرقًا باتجاه أوروبا من جهة أخرى، كما يحلم الإستراتيجيون الأمريكيون باليوم الذي يتحول فيه البحر الأسود إلى بحيرة أطلسية بالمعنى الحرفي للكلمة، وبهذا يتم خنق الروس من حدودهم الجنوبية البحرية.. إلا أن تلك المخططات تتهاوى أمام تعزيز العسكرية الروسية تواجدها في شبه جزيرة القرم، وخروجها نحو بحار العالم المفتوحة، ومهارتها في إدارة الأزمة مع أوكرانيا من الداخل.
كاتب من مصر