تركيا و”ناتو”.. عودة إلى خندق التبعية
كشفت قمة حلف شمال الأطلسي “ناتو” الأخيرة التي عقدت في 14 يونيو/ حزيران الجاري عن مدى تبعية تركيا تحت حكم رجب أردوغان للولايات المتحدة والعواصم الأوروبية، وكيف أن أنقرة لا ترى لها دوراً إقليميًا أو عالميًا خارج عباءة الحلف الغربي الذي انضمت إليه في زمن “عدنان مندريس”، وهو ذلك السياسي الذي ترأس الحكومة التركية بين عامي 1950 و1960، وتحظى سيرته بتقدير واسع بين أنصار جماعة الإخوان، رغم عمق ولائه للسياسات الأمريكية.
يربط أردوغان مصالح بلاده مجدداً بالمصالح الغربية، ويُصرح بأن “حلف ناتو من دون تركيا سينهار”، محاولاً بذلك استعادة وضع تركيا القائم منذ الحرب الباردة كترس في ماكينة حلف شمال الأطلسي وقاعدته المتقدمة في مواجهة موسكو والقومية العربية.
خلال القمة الأخيرة اقتربت أنقرة من واشنطن بقدر ما ابتعدت عن موسكو، وأبدى أردوغان استعدادًا واسعًا للتجاوب مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبعد أن كانت تركيا تتحدث عن احتمال إتمامها صفقة ثانية من صواريخ “إس 400” الروسية -والتي سببت توترًا في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة– عادت لتبدي مرونة كبيرة في هذا النطاق، بداية من تأجيل تفعيل الصفقة وانتهاء بإعلان الاستعداد لخيارات يمكن التوافق عليها مع واشنطن.
وفي هذا السياق جاءت تصريحات وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار” بالتزامن مع قمة “ناتو”، حيث قال: الحلول المعقولة والمنطقية ممكنة دائمًا”، مؤكداً أن “مساهمة تركيا في ناتو وتعاونها معه أعمق وأشمل بكثير من منظومة “إس 400” الروسية ومقاتلات “إف 35 الأمريكية”.
يدرك أردوغان أنه كلما ناكف الروس والصينيين نال الرضا الأمريكي، وقد كان لافتاً أن الرئيس التركي قد طار إلى باكو العاصمة الأذربيجانية بمجرد انتهاء القمة الأطلسية في بروكسل، ولاحقًا أعلن عن رغبة بلاده بإنشاء قواعد عسكرية في أذربيجان، وهو الأمر الذي رفضته بالطبع موسكو واعتبرته تهديدًا لأمنها ومسّ بالتوازنات السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية لمنطقة جنوب القوقاز، حيث صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف “أن بلاده ترى في تكوين بُنى عسكرية لدولة عضو في حلف ناتو لقواعد عسكرية بالقُرب من حدود البلاد ما يثير الاهتمام، ودافعاً لاتخاذ مجموعة من الخطوات المناسبة، لضمان أمن وسلامة ومصالح دولتنا”.
في هذا السياق لا يمكن إغفال زيارة الرئيس الأوكراني الحليف للغرب، فولوديمير زيلينسكي إلى أنقرة، في إبريل/نيسان الماضي، وذلك من أجل توقيع اتفاقيات عدة تضمنت الحصول على توريدات من الطائرات المسيرة التركية، وهو الأمر الذي يمثل طعنة للمصالح الروسية التي تعيش خلافات واسعة مع كييف منذ الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في عام 2014 بدعم من واشنطن، وأطاحت بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش.
كذلك لا يمكننا نسيان موقف تركيا الرافض منذ البداية ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، وهو الموقف الموحد لـ”ناتو” والمشترك مع الاتحاد الأوروبي.
أما عن الصين، فلا يُستبعد وفقًا للترتيبات الجديدة بين أردوغان وبايدن، أن تعود أنقرة للتلاعب بورقة الإيغور، وأن تقوم وسائل الإعلام الناطقة بلسان المصالح التركية بصرف النظر عن اللغة المستخدمة، بإثارة مشاعر المسلمين حول العالم وحشدهم ضد بكين، عبر الترويج لادعاءات مزعومة عن وقوع اضطهاد ديني لسكان إقليم شينجيانغ.
على الصعيد العربي قد يؤدي الخلاف بين موسكو وأنقرة إلى مزيد من تعزيز التحالف العربي- الروسي وتحديدًا في الساحة السورية، وقد يثمر هذا الأمر تصعيدًا عسكريًا يفضي إلى القضاء نهائياً على ما تبقى من الميليشيات الإرهابية في شمال غرب سورية وطرد المحتل التركي من تلك المناطق بشكل كامل.
كاتب من مصر