الجيد والسيئ والشرير

عنوان فيلم أنتجته هوليوود عام 1966 من إخراج سيرجيو ليوني وبطولة كلينت ايستوود (الجيد) ولي فان كليف (السيئ) وإيلي واليش (الشرير).

تدور قصة الفيلم حول ثلاثة من رعاة البقر الأميركيين يعملون معاً في البحث عن كنز تابع لجيش الجنوب المهزوم في الحرب الأهلية. الكنز مدفون في مقبرة يعرفها السيئ، الاسم على القبر المستهدف يعرفه الجيد، أما الشرير فقد قتل القائد الجنوبي الذي دفن الكنز بهدف الاستئثار به لنفسه.

يصل الثلاثة إلى المقبرة ويستخرجون الكنز وهنا تظهر أطماع السيئ والشرير، ولكن الجيد يتغلب عليهم فيقتل الشرير، ويترك السيئ ملقى في أحد القبور.

كلما تمعنت في أحداث الفيلم أكثر، يتلاشى الفرق تدريجياً بين الشخصيات الثلاث، فثلاثتهم في نهاية الأمر مجرد لصوص وصائدي مكافآت ومجرمين، يبحثون عن الثروة دون أي نية لإعادتها إلى الدولة صاحبة الحق الشرعي فيها.

يلخص هذا الفيلم معاناة العالم مع الإدارات الأميركية المتتالية. فهذه الإدارات تلعب الأدوار الثلاثة باقتدار. السيئ يقود الجيوش ويدمر الدول ويسرق ثرواتها، والشرير يرتكب الفظائع بحق المدنيين، ليأتي الجيد ليعلن نية بلاده سحب قواتها أو جزء منها وتشكيل لجنة تحقيق بممارسات الشرير تنتهي بمعاقبة عدد محدود من الأفراد، لتطوى الصفحة بانتظار حرب جديدة.

هل يتذكر أي منا أنه حضر فيلماً فيتنامياً عن الفظائع التي ارتكبها الجيش الأميركي في تلك البلد؟ لكننا جميعنا تابعنا الرواية الأميركية التي تبتعد تماماً عن ذكر مبرر غزو تلك البلاد، لكنها تظهر لنا الأميركي الشرير الذي يقتل المدنيين، والأميركي الجيد الذي ينقذهم. وتغرقنا بصور الجنود الجرحى وصراخهم طالبين النجدة، وعدم قدرتهم على النوم في الليل، لتنتهي القصة بعودة الشرير إلى جادة الصواب، أو موته بصورة بشعة تشعرنا بأن العدالة قد تحققت.

تكررت الصورة بحذافيرها في العراق، فيلم القناص الأميركي الذي أنتج عام 2014، وبالصدفة الفيلم من إخراج كلينت ايستوود. يروي الفيلم قصة قناص أميركي يأتي مع القوات الأميركية إلى العراق، ويبدأ عمله بقتل طفل وأمه بدعوى محاولتهم الهجوم على دورية أميركية.

بعد معاناة نفسية مختصرة يعود القناص (كريس كايل) ليصبح أخطر قناص في التاريخ العسكري الأميركي.. تصبح مهمته قتل قناص ينتمي إلى المجموعات الإرهابية اسمه مصطفى، وهو بطل أولمبي سابق. ينجح كايل في مهمته، ويعود إلى بلاده ليساعد الجنود الأميركيين الذي يعانون من إصابات وإعاقات ما بعد الحرب. واحد من هؤلاء الجنود يقتل كايل، وتجرى له جنازة شعبية مهيبة في مدينته.

في الفيلم يلعب القناص القاتل دور الجيد، والقناص الإرهابي دور الشرير، في حين يلعب الجندي المصاب الذي قتل كايل دور السيئ.

وسط هذا الصخب، الذي يدفع المشاهد للتعاطف مع كايل وهو يبكي لأنه لم يستطع إنقاذ المزيد من أصدقائه. تختفي قضية احتلال العراق، ومعاناة شعبه ويتحول المجرم إلى حالة إنسانية تكتسب تعاطف الجمهور.

تلعب الثقافة الأميركية، وفي مقدمتها السينما، دوراً مهماً في إعادة تشكيل الوعي العالمي بما يتناسب مع المصالح الغربية عامة والأميركية خاصة. لعلي لا أبالغ إن قلت أن هذه الثقافة لا تقل خطورة عن وزارة الدفاع أو المخابرات المركزية، وهي في الكثير من الأحيان صادرة عن هذه الدوائر.

في العام 2001 بعد تفجير أبراج نيويورك، خرج الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بخطاب ادعى فيه أن الإرهاب يستهدف نمط الحياة الأميركي، وأن أميركا مطالبة بالدفاع عن نفسها وعن أسلوب حياتها.

كان ذلك الخطاب بمثابة إعلان حرب، أو ما سنعرفه لاحقاً بالحرب على الإرهاب، والتي استغلتها الولايات المتحدة والأنظمة التابعة لها لممارسة أقذر الحروب على الدول والشعوب، ولعل أقذرها جميعاً كانت الحرب على العراق وتدمير دولته وقتل أكثر من مليون إنسان من سكانه.

في العام 2008 بعد الانهيار المالي، خرج الرئيس بوش نفسه ليتحدث من جديد عن تهديد نمط الحياة الأميركي، لكن التهديد هذه المرة اقتصادي وليس أمنياً، لذلك على الأميركيين التوحد خلف حكومتهم في سعيها لنشر الحرية والديمقراطية ومبادئ اقتصاد السوق، وصولاً إلى إنقاذ الاقتصاد الرأسمالي المتداعي.

كان الخطاب دعوة جديدة للحرب، لكنها حرب نشر الديمقراطية بالوسائل “الديمقراطية” المدعومة من أجهزة المخابرات، وكان نصيب بلادنا منها ما سمي بـ”الربيع العربي”.

في فرنسا تتعالى الأصوات التي تحذر من انتشار قيم الثقافة الأميركية إلى درجة تهدد باندثار القيم الثقافية الفرنسية. علينا أن نتذكر أن الثقافة الفرنسية صبغت جزءاً مهما من العالم بصبغتها تحت عنوان الفرانكوفونية، لكنها تنهار بسرعة أمام الغزو الثقافي الأميركي. يبدأ هذا الغزو “بساندويشة بيغ ماك” تشتريها من سلسلة ماكدونالدز، وتتبعها بفنجان قهوة من ستاربكس، وتعود لتقضي أمسية هادئة تشاهد أفلام هوليوود أو نتفلكس، لتستيقظ صباحاً والدبابات الأميركية تقف على أبواب منزلك غازية، أو على شكل قواعد عسكرية.

في جمهورية التشيك صوّت أكثر من 70% من الشعب ضد السماح بوجود قواعد أميركية في بلادهم، لكن الحكومة التشيكية عادت للموافقة على وجود هذه القواعد بحجة المصلحة العليا للبلاد.

في وطننا تنتشر القواعد الأميركية بنفس السرعة التي تنتشر فيها سلاسل مطاعم الوجبات السريعة. وتفرض هذه القواعد قسراً كما هو الحال في العراق وسورية، أو باتفاقات مهينة للسيادة الوطنية كما حدث مؤخراً في الأردن.

الحرب اليوم لا تخاض بالبنادق فقط، فهي تبدأ من فنجان القهوة الذي ترتشفه في الصباح، إلى الطريقة التي تنظر فيها إلى نفسك ووطنك، وصولاً إلى الحلم الذي يراودك عندما تخلو إلى نفسك. ولأننا مستهدفون يجب ألا نكتفي بالدفاع، بل علينا المبادرة إلى الهجوم. لا يكون هذا الهجوم إلا بتمسكنا بلغتنا وثقافتنا ومؤسساتنا وأوطاننا، وإدراكنا أنه رغم أي شكل تبدو عليه الولايات المتحدة الأميركية، فإن الدور الوحيد الذي تلعبه هو دور الشرير.

كاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار