بايدن يحشد أوروبا ضد المارد الصيني
نهاية الأسبوع الماضي، طار جوزيف بايدن حاكم البيت الأبيض في أولى رحلاته الخارجية، وكما هو المتوقع، إلى القارة الأوروبية العجوز، حمل في جعبته أجندة عمل تستهدف استعادة بريق العلاقات الأميركية- الأوروبية والتي مرّت بمرحلة توتر في عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب.
بطبيعة الظرف العالمي الحالي كانت تبعات الانتشار المستمر لفيروس “كوفيد19” وكذلك الأمور المتعلقة بتغير المناخ على قائمة الموضوعات المطروحة بين الزعماء الغربيين، لكن الخبراء الأمريكيين أكدوا أن بايدن ذهب إلى أوروبا وعقله مشغول بموضوع واحد، وهو آلية تنسيق العمل المشترك بين كل من واشنطن والعواصم الأوروبية من أجل استهداف الصين، التي تحتل موقع الصدارة في الأجندة السياسية العالمية اليوم مع استمرار صعودها اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً.
تنظر الإدارة الأمريكية إلى حكام أوروبا كحلفاء “بيض” دائمين، وتسعى لتعزز فكرة مصير الغرب المشترك المُهدد بفعل تنامي قوة التنين الصيني القادم من الشرق. يدرك بايدن أن الحكومة الصينية تسعى لتعزيز العلاقات أكثر وأكثر مع كل من موسكو وطهران، وأنها تؤسس لتحالفات ناعمة قوامها الاقتصاد مع عدد من دول العالم الثالث، وأن مشروع مبادرة الحزام والطريق سيضاعف من حجم قوتها، ومن المنطقي أن يسعى لطلب العون من شركائه الأوروبيين، فأوروبا تملك ثقلاً اقتصادياً لا يمكن التقليل منه، ولديها الموقع الجغرافي والثقل الحضاري وهو ما يرفع من حاجة الولايات المتحدة إلى أوروبا لتحقيق حالة من حالات التوازن.
على الصعيد الاقتصادي حث الرئيس بايدن الدول الأوروبية واليابان، خلال قمة مجموعة الدول السبع، على مواجهة النفوذ الاقتصادي والأمني المتنامي للصين من خلال تقديم تمويل بمئات المليارات للدول النامية كبديل للاعتماد على بكين، كما حضرت الدعوات لتحاشي السلع الصينية والاعتماد عوضاً عن ذلك على السلع الأمريكية.
أما من الناحية العسكرية والدبلوماسية، فقدم الإستراتيجيون الأمريكيون نصائحهم برفع حجم المواجهة مع بكين في بحر الصين الجنوبي.
وقد شرعت الحكومتان الفرنسية والألمانية، بوقت سابق، في تسيير دوريات الملاحة البحرية في تلك المنطقة، بالتعاون مع الولايات المتحدة اعتباراً من الشهر الماضي. كما قامت حاملة الطائرات البريطانية برفقة المجموعة الضاربة بالتحرك صوب شرق آسيا عبر المحيط الهندي.
ترتب واشنطن إذاً لوضع العراقيل أمام عدوتها الآسيوية، لكن هذا أمر يحتاج إلى أن يملك الغرب كله وجهة نظر واحدة تجاه الصين، والحقيقة أن ثمة انقسامات حول كيفية النظر إلى المسألة الصينية.
وقد وصفت دراسة حديثة أجراها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ردود فعل واشنطن بأنها “مبعثرة”!، وأن نهجها وحلفاءها في مواجهة التمدد الصيني لا يؤتي ثماره خاصة في الدول النامية، حيث تركز واشنطن على ملفات “البيئة” و”حقوق الإنسان”، في حين تتحرك الصين في ملف الاقتصاد والبنى التحتية والمشاريع التي تُدر عوائد مطلوبة للتنمية.
الأمر الذي لا جدال فيه اليوم أن المنافسة العالمية تشتعل بين قطبين كبيرين، وكل طرف يحشد أنصاره، ويعزز من نقاط قوته السياسية لكي ينتصر في معركة تكسير العظام تلك، ويبدو أن البيت الأبيض مهووس بتكبيل المارد الصيني أكثر مما هو مهتم بتنمية مهاراته الاقتصادية.. فإلى أي مدى ستنجح مساعي بايدن الذي يرتدي زي المصارعة ويهبط إلى الحلبة؟، هذا ما يتكشف عنه الشهور القادمة.
كاتب من مصر