مخططات أنقرة في وسط آسيا.. والمباركة الأمريكية
في تشرين الأول /أكتوبر من عام 2019، انعقدت القمة السابعة لمجلس الدول الناطقة باللغة التركية في باكو، حينها خطب رئيس النظام التركي رجب أردوغان، قائلاً “لا فرق بين تركيا وأذربيجان، نحن هنا نشعر بأننا في وطننا، كنا نقول إننا وأذربيجان أمة واحدة في دولتين، نود تطوير هذا لنقول نحن أمة واحدة في 6 دول”. ويعني أردوغان بالدول الست: تركيا + أذربيجان + أربع دول تقع جميعها في وسط آسيا وهي (كازاخستان وقرغيزستان وأوزباكستان وتركمانستان).
يتنامى مؤخرًا في تركيا حديث عن “لم شمل الأتراك”، ودعوات بين فئات من المثقفين لأن تمد أنقرة أياديها لتصافح “أبناء عمومتها” في دول آسيا الوسطى، ويأتي الأمر متسقًا بطبيعة الحال مع طموحات حزب العدالة والتنمية التوسعية، كما لا يخفى توافق الهدف التركي مع المصالح الأمريكية التي تريد إزعاج الصين في حدودها الشرقية، وكذلك روسيا في حدودها الجنوبية. خاصة لو أخذنا في الاعتبار أصابع البيت الأبيض التي تتحرك في إقليم شينجيانغ الذي يملك حدودًا مع كازاخستان وقيرغيزستان وطاجسكيتان، كذلك كون تلك الدول هي جمهوريات سوفيتية سابقة مرتبطة بروسيا إلى اليوم، وتريد واشنطن فك هذا الارتباط أو إضعافه على يد تركيا الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي.
في إطار الدعاية لهذا المخطط يستخدم أردوغان مصطلح «تركستان» باعتباره البؤرة الأم للشعوب التركية. ثم يتمادى به الأمر ليقول إن سكان تلك الدول الست جميعاً لا يعتنقون الدين نفسه فحسب، بل لديهم التاريخ والثقافة نفسهما، ويتشاركون الحضارة نفسها، بل ويتحدثون اللغة نفسها، لذلك “يعتبرون تركيا بمثابة بيت لهم”.
يقفز أردوغان على عدة حقائق هنا، فحين يقوم بتصدير “الإجماع الديني” فإنه يتجاهل انتماء سكان تلك الدول إلى ديانات مختلفة، ورغم أن أغلبية السكان هم من المسلمين، لكن هناك وجود لأعداد من المسيحيين الأرثوذكس وكذلك اللا دينيين (في كازخستان، مثلاً، نحو ربع عدد السكان أو أكثر قليلاً غير مسلمين)، كذلك رغم أن اللغات في تلك الدول تنتمي إلى عائلة واحدة، إلا أن ثمة فروقاً واسعة، ولا يمكن، مثلًأ، للمواطن التركي أن يقرأ صحيفة أو يسمع أغنية في أوزباكستان أو أذربيجان دون ترجمة، وذلك عكس ما هو الحال في الوطن العربي حيث يمكن لأي مواطن تونسي أو مغربي أن يقرأ صحيفة الأهرام المصرية أو تشرين السورية، أو يستمع إلى أم كلثوم وفيروز، دون أي إشكال، والعكس صحيح.
في السياق ذاته قدمت تركيا دعمًا واسعًا ومفتوحًا لأذربيجان عندما اصطدمت عسكريًا بجارتها أرمينيا نهاية العام الماضي، كما تتلاعب أنقرة كثيرًا بورقة الإيغور سكان إقليم شينجيانغ، وفي وقت سابق قدمت جماعة الذئاب الرمادية – التابعة للحزب القومي التركي حليف أروغان- الدعم للمسلحين هناك ضد الحكومة الصينية، ثم هناك ملف التعاون العسكري، حتى أن وسائل الإعلام التركية روجت لفكرة إنشاء “جيش طوران” كجيش موحد لما يسمى ” للشعوب التركية” ، وجاء هذا بالتزامن مع زيارات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في تشرين الأول /أكتوبر 2020 لكل من كازاخستان وأوزبكستان، حيث ناقش خطوات لتوسيع التعاون العسكري التقني ووقع اتفاقات تعاونية.
يثير سلوك أردوغان تساؤلات عدة، فالتوسع لم يعد قاصرًا على الوطن العربي فقط، بل يمتد إلى إفريقيا ووسط آسيا، لكن هل يستطيع الاقتصاد التركي الضعيف اليوم تحمّل كل تلك المغامرات خاصة مع البطالة وانهيار سعر صرف الليرة؟!، وإلى أي درجة ممكن أن تتحمل الطبقة الوسطى التركية تبعات أحلام رئيسها؟!.. لا شك أن تلك التساؤلات المطروحة سنجد إجاباتها قريبًا من الشارع التركي وكذلك من المعارضة.