ثلاثة مشاهد على أبواب المعركة الجديدة
المشهد الأول فلسطيني تصدرته الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة عام 1948.. لا تكمن أهمية هذا المشهد في انخراط سكان هذه الأراضي في الفعل الوطني الفلسطيني، فهم أصحاب المبادرة الأولى لهذا الفعل في الداخل الفلسطيني عندما أطلقوا يوم الأرض احتجاجاً على مصادرة الأراضي الفلسطينية، وهم القائمون بشكل يومي على إحياء ذكرى القرى والبلدات الفلسطينية التي أزالها العدو عن الخريطة.. ما يميز الفعل هذه المرة هو التشابك والتكامل مع الفعل الوطني في القدس والضفة، وهو ما تجلى في الزحف الجماهيري من الأراضي الفلسطينية 1948 نحو القدس وحي الشيخ جراح وساحات الأقصى لتقديم الدعم لإخوانهم، بعد أن حال إغلاق الطرق دون وصول الجماهير من الضفة الغربية.
المشهد الثاني والملفت، أيضاً، هو السقوف التي اخترقتها حركة الاحتجاج في الداخل الفلسطيني، ومنذ اللحظة الأولى.. لقد غادر المقاومون شعارات التضامن التقليدية واعتبروا أنفسهم جزءاً من المعركة، لقد رأيناه في اللد عندما أنزل أحد الشبان علم الاحتلال ورفع مكانه العلم الفلسطيني، ثم انطلق شباب اللد ليطردوا المستوطنين من مدينتهم. كما رأيناه في حيفا ويافا وعكا لشبان يحرقون الإطارات في الشوارع ويلوحون بالأعلام الفلسطينية، وسمعناه في هتاف الشباب في الناصرة بعروبة فلسطين من النهر إلى البحر.. وفي إصرار الشباب الذين التقتهم وسائل الإعلام على فلسطينيتهم، ورفضهم لفكرة أنهم عرب “إسرائيل”، وتأكيدهم أنهم جزء من القضية الفلسطينية وأن مدنهم محتلة مثل باقي المدن الفلسطينية.
الصورة الثالثة في المشهد الفلسطيني، تتعلق بالتصريحات المتباينة لقادة حماس فيما يتعلق بالعلاقة والدعم الذي تتلقاه الحركة من محور المقاومة. في الوقت الذي يؤكد فيه الجناح العسكري للحركة (القسام) على دور الدعم الكامل والأساسي لمحور المقاومة، وبشكل خاص إيران، في بناء القوة العسكرية للمقاومة، يصمت المستوى السياسي للحركة، ممثلاً بإسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق، عن الحديث عن هذا الدعم، ويضعون العلاقة مع إيران في سياق العلاقة الجيدة مع الجميع. في هذه الصورة تبرز تصريحات القيادي أسامة حمدان لقناة الجديد والتي أكد فيها على أن الفضل في جهوزية المقاومة يعود إلى محور المقاومة، وركز على أهمية العلاقة مع إيران التي قال عنها “في بعض الأحيان هم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين أنفسهم”، من الواضح أن إعادة تشكيل المحور وحل الخلافات الداخلية ستكون الأولوية الأهم لجميع الأطراف، وذلك بناء على نتائج المعركة الحالية.
المشهد الثاني عربي؛ وهو المشهد الذي تتصدره مصر من دون منازع. الحديث هنا ليس عن مبادرة الرئيس المصري بالتبرع بنصف مليار دولار لإعادة إعمار غزة، ولا عن فتح مستشفيات شمال سيناء لاستقبال الجرحى الغزاويين. فالتغير في الموقف المصري طال المستوى الرسمي والشعبي في آن.
منذ استلام الرئيس السيسي لمقاليد الحكم، تم تصدير غزة على أنها الداعم الرئيس للحركات الإرهابية التي تنفذ عملياتها في الداخل المصري. هذه الصورة طغت على الإعلام الرسمي وغير الرسمي والدراما التلفزيونية. سياسياً التزمت مصر بدور الوسيط المحايد في كل مرة يقوم فيها العدو الصهيوني بشن عدوان جديد على غزة. لهذا السبب لا يمكن إلا التوقف عند تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري، في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، من أن “ما يقوم به الفلسطينيون في القدس وغزة مدعاة للفخر والاعتزاز”. ما يؤكد أن هذا التصريح ليس عابراً.. ما جاء في خطبة الجمعة التي ألقاها الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، من على منبر الأزهر، إذ دعا إلى إنشاء قوة ردع إسلامية من “شتى المذاهب”. تكتمل الصورة إذا أضفنا إلى ما سبق تصريح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفكر المقارن في الأزهر، حول ضرورة حماية السنّة النبويّة من محاولات البعض المس بجوهرها وإنكار أحاديث الآحاد، والمقصود هنا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي دعا في مقابلة تلفزيونية إلى ترك هذه الأحاديث.
من المبكر جداً الحديث عن استدارة مصرية وتغيير في تحالفاتها، لكننا قد نكون أمام توجهات إستراتيجية مصرية تتعلق بموضوع سد النهضة، الذي تنحاز فيه السعودية والإمارات و”إسرائيل” إلى الجانب الإثيوبي.
المشهد الثالث والأخير هو المشهد الدولي. ما نراه اليوم من دعم غير مسبوق لوجهة النظر الفلسطينية في شوارع العواصم والمدن الغربية، واعتبار الكيان الصهيوني هو المعتدي، أمر يستحق الوقوف عنده. رغم أن المواقف الرسمية الأوروبية لم تغادر مربع الدعم للكيان، إلا أنه من الملفت مشاركة الزعيم العمالي جيرمي كوربن في مظاهرة في لندن، وفيها شكر في مقدمة كلمته من جاؤوا لنصرة الأقصى وفلسطين وغزة، ولم يشر في كلمته إلى الكليشيه الغربية المعهودة التي تقسم المسؤولية ما بين المقاومة والاحتلال. وشاهدنا الضغط الشعبي والحزبي يجبر المستشار النمساوي على إنزال العلم الإسرائيلي عن الدوائر الحكومية بعد أن قرر رفعه تضامناً مع “إسرائيل”. كما ظهرت مواقف مؤيدة للفلسطينيين بين مشاهير الرياضة والفن، وشاهدنا علم فلسطين يرفرف في ملعب مانشستر يوناتيد الإنكليزي، والسيلتك الاسكتلندي، بل وصل الأمر بإيريك كانتونا، أيقونة كرة القدم الفرنسية، إلى المطالبة بطرد “إسرائيل” من اتحاد الكرة الأوروبي.
على الضفة الأخرى من الأطلنطي، أعلن الكثير من نجوم هوليوود (المعقل الصهيوني) دعمهم للفلسطينيين وطالبوا بإيقاع عقوبات على “إسرائيل” تشبه تلك التي فرضها العالم على جنوب إفريقيا. ورغم ضغوط اللوبي الصهيوني تمسك الكثير من الفنانين بمواقفهم وهو ما عبرت عنه الفنانة سلينا غوميز عندما أكدت أنها لن تزيل تغريداتها الداعمة لفلسطين كما فعلت المغنية ريانا رغم الضغوط التي تتعرض لها.
نحن أمام عالم جديد لم نشهده من قبل، وإذا أردنا أن نجيب على التساؤل حول كيفية حصولنا عليه، فإن الإجابة تتلخص بكلمة واحدة: المقاومة.
كاتب من الأردن