هل بدأ العد التنازلي لهزيمة المشروع الصهيوني ؟
يبدو أن النقاش بدأ يحتدم في الكيان الصهيوني حول ما يمكن أن تنتهي إليه دوامة المجابهة الشاملة التي فجرها الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة ضد كافة أشكال الاحتلال والحصار الصهيوني، فعلامات هزيمة الجيش والحكومة الصهيونية باتت واضحة للمستوطنين بل تحمل دلائلها بشكل واضح عند معظم المستوطنين في المستوطنات القريبة من قطاع غزة وفي مدن مثل عسقلان وأسدود على ساحل البحر وأول هذه الدلائل هو تزايد رغبة عدد من المستوطنين بالخروج من الملاجئ وعجزهم عن تحمل حالة الفزع من صفارات الإنذار المبكر والأضواء الحمراء التي تحذرهم من الخروج بسبب سقوط الصواريخ بين ساعة وأخرى.
ويتبين من قراءة بعض ما يكتبه باللغة العبرية عدد من المستوطنين في وسائل التواصل الاجتماعي أو في زاوية التعليقات على الأخبار وجود انتقادات وسخرية من القيادة العسكرية التي لم تنجح بتأمين الأمن للمستوطنين بعد ثلاث حروب شنتها على فصائل المقاومة في قطاع غزة منذ عام 2008 وها هي الرابعة تثبت هذا العجز والهزيمة.
وتذكر الأنباء الصادرة في تل أبيب أن بعض الشركات التي تملك عدداً من الفنادق نشرت عروضاً للمستوطنين تطلب استضافتهم في فنادقها الموجودة شمال فلسطين مقابل حسم 50% من الأسعار لمنعهم من التفكير بالرحيل إلى الخارج على أمل المحافظة على بقائهم في الكيان الصهيوني ويذكر أن عدداً كبيراً من اليهود في الكيان الصهيوني كانوا قد استعادوا جنسيات أوطانهم في أوروبا وروسيا إضافة لمن يحملون الجنسية الأميركية أو الكندية وبدؤوا يفضلون المغادرة إلى تلك الدول للتخلص من حالة انعدام الأمن بل إن بعضهم كتب في تعليقاته على أخبار سقوط الصواريخ من قطاع غزة أن اليهودي الذي يتمتع بالأمن هو فقط اليهودي الذي يقيم خارج “إسرائيل” فيهود العالم لا يضطرون إلى الخدمة الإجبارية في الجيش ولا يتعرضون لأخطار الحروب، بينما تتزايد الأخطار فقط على يهود “إسرائيل”
وبدأ الحديث يتزايد بين “الإسرائيليين” حول استحالة تحويل الكيان إلى دولة لليهود وحدهم بعد أن تبين أن الفلسطينيين الذين يعيشون في مساحة فلسطين الكاملة أصبح عددهم سبعة ملايين مقابل ستة ملايين ونصف من اليهود وهذا ما سيعرض اليهود للأخطار طالما أن كل حكومات تل أبيب لم تستطع طوال 73 سنة إبعاد هذا العدد عن المستوطنين ومدنهم وهذا يعني أن أهداف المشروع الصهيوني التي وضعتها بريطانيا الاستعمارية للحركة الصهيونية تحولت إلى أوهام وخيال لا صلة لها لا بدولة لليهود وحدهم ولا بدولة “إسرائيل” بحدود الرابع من حزيران 1967 فاحتلال أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان العربي السوري وسيناء شكل بداية الهزيمة بموجب ما يرى البروفيسور اوري ميلشتاين الذي يعد أحد المؤرخين للكيان الصهيوني منذ عام 1948 فهو لا يعد حرب حزيران “انتصاراً بل توسيعاً لدائرة المشاركة بالحرب” على “إسرائيل” من سورية والفلسطينيين والمقاومة اللبنانية وإيران والعراق وبشكل أبطل “المكسب الإسرائيلي” من خروج مصر عام 1979 من دائرة الصراع بعد اتفاقية كامب ديفيد.
ويعترف معظم القادة العسكريين في تل أبيب أن جيشهم يجابه الآن حرباً على جبهات لم يستطع إنهاء وجودها، ففي الجنوب قطاع غزة وصواريخه وفي الضفة الغربية جبهة وسطى تضاف إليها الآن جبهة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وفي الشمال أخطر جبهة تمثلها سورية وجنوب لبنان وامتداد عمقها إلى العراق وإيران.
وفي النهاية بقي المستوطنون تحت دائرة فقدان أمنهم في الداخل مع استمرار تعرضهم للمقاومة وأخطارها عليهم من الحدود الشمالية والجنوبية وبشكل لا يتوقف ضد وجودهم واغتصابهم لفلسطين وهذا ما سوف يدفعهم إلى التفكير بتطبيق مبدأ أن اليهودي الآمن هو اليهودي الذي لا يبقى في فلسطين بعد أن فرضت عليهم المقاومة دفع ثمن باهظ من حياتهم ومعنوياتهم في حروب لن تتوقف إلا بعد استعادة فلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية ولن يجدوا مفراً سوى العودة إلى أوطانهم التي أخرجتهم بريطانيا منها في القرن الماضي لكي يؤسسوا لها في فلسطين ثكنة عسكرية تحافظ على مصالحها ومصالح الولايات المتحدة الأميركية.
كاتب من فلسطين