بايدن وأردوغان وقواعد اللعبة المستمرة

ربما يكون من أهم الأسئلة المطروحة بعد القرار الذي اتخذه الرئيس جو بايدن بالاعتراف الأميركي الرسمي بارتكاب نظام السلطان العثماني في الحرب العالمية الأولى جريمة إبادة بحق الشعب الأرميني عام 1915 والاعتراف بأن عدد القتلى في هذه الجريمة بلغ 1,5 مليون شخص هو: ما الذي دفع بايدن لهذا القرار الذي يوجه بواسطته لنظام أردوغان ضربة مفاجئة وخاصة من الولايات المتحدة التي تعدها تركيا أهم حليف تاريخي لجميع رؤساء تركيا؟
وتزداد التساؤلات حين نجد أن بايدن لم يتصل بأردوغان إلا بعد ثلاثة أشهر مضت على فوزه بالرئاسة الأميركية، وكان اتصاله الأول بأردوغان يوم الجمعة الماضي هدفه الإعلان له عن هذا القرار وتعميمه على وسائل الإعلام وكأنه يقول له بموجب ما ذكرت قناة (إن بي سي نيوز– الأميركية) أن الولايات المتحدة ليست بحاجة ماسة له بنفس القدر الذي يحتاج إليها هو.
يذكر أن جميع رؤساء تركيا طمأنوا أنفسهم طوال أكثر من خمسين سنة بأن واشنطن لا يمكن أن يصدر عنها قرار كهذا لأنها بحاجة ماسة لتركيا في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي ولدعم “إسرائيل” منذ اعترافها بها عام 1949، فقد كانت السياسة التركية مطيعة جداً للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وجرى الاعتماد على أنقرة في أي سياسة غربية ضد حركة التحرر القومي العربي منذ حلف بغداد عام 1955.
وبعد القرار الأميركي، بخصوص الإبادة الأرمنية، يدرك أردوغان أن الأرمن سيفتحون ملفاً جديداً هو المطالبة بتعويضات من تركيا ناهيك عن الإدانة الموجهة للنظام العثماني بارتكاب جريمة إبادة شعب بحق الأرمن وهو النظام الذي عمل أردوغان على إحيائه وجمع المجموعات الإسلامية حوله.
وبالعودة إلى موضوع السؤال هل تعاملت واشنطن في تاريخها مع دولة حليفة بحجم تركيا بهذا الشكل وهي الدولة الوحيدة في حلف الأطلسي الموجودة في قارتين أوروبا وآسيا وفي قلب الشرق الأوسط وممرات النفط والغاز في المتوسط والبحر الأسود ؟ وهل الموضوع الأرميني يحمل صفة ملحة لم يجد بايدن وقتاً لتأجيله؟
من الواضح أن تاريخ الحروب الأميركية حافل بمذابح إبادة شعب بل شعوب سواء ضد الهنود الحمر أو اليابان وقصفها بقنبلتين نوويتين ولا ننسى فيتنام وكوريا بل إن جميع الإدارات الأميركية رفضت الاعتذار للشعب الياباني على هذه الجريمة حتى هذه اللحظة وهي جريمة ثابتة أمام العالم أجمع.
وفي الأسئلة أيضاً، هل ستقلل إدارة بايدن حاجتها لحليفها التركي بعد هذا القرار؟.
لا شك بأن الإدارة الأمريكية بحاجة إلى الحليف التركي، وخاصة بعد أزمة روسيا- أوكرانيا، وأزمة واشنطن- طهران، وهو أي الحليف، له وجود جغرافي على حدود المنطقتين وتدرك واشنطن أنه أيضاً لن يلحق أي ضرر بسياستها رغم إعلان أنقرة رسمياً أنها سترد على هذا القرار في الوقت المناسب.
ربما يكمن السبب المحتمل الذي دفع بايدن لهذا القرار هو محاولة كسب الأرمن وتركيا معاً ومن دون دفع أي ثمن لأنه وجد على ما يبدو أن روسيا وحدها هي التي أوقفت النار بين أذربيجان حليف تركيا وبين جمهورية أرمينيا لفض الحرب في ناغورني قراباخ وبخاصة أن مثل هذه السياسة الأميركية نجحت حين دعمت واشنطن “ميليشيات قسد” وكان أردوغان يعلن أنه سيشن الحرب على “قسد” ولم يفعل، وتعايشت “قسد” معه ومع واشنطن مثلما تعايش هو مع واشنطن ومع “قسد” وهؤلاء جميعاً يقفون ضد سورية واستقرارها وهنا تكمن المصلحة الأميركية– التركية.
ويرى “سونر كاغابتاي” الذي ألف كتاباً عن حياة أردوغان السياسية في تحليل لقناة (إن بي سي نيوز) أن أردوغان لم يتذمر من تجاهل بايدن له ثلاثة أشهر وسوف يلجأ إلى الصبر على قراره حول الأرمن وسينتهج سياسة براغماتية مع الميل في الوقت نفسه إلى الميكافيلية تجاه الولايات المتحدة”.
أردوغان يدرك أنه يواجه مشاكل داخلية وأخرى مع الدول المجاورة (سورية والعراق وإيران وروسيا) وليبيا ومصر ومع الإمارات والسعودية وليس لديه سوى سجل علاقاته التاريخية مع واشنطن وتل أبيب وبروكسل حيث مقر حلف الأطلسي للاستعانة بها لمواجهه استحقاقات لا مفر منها.
كاتب من فلسطين

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار