الكيان الصهيوني بين الانقسامات الداخلية والأخطار الخارجية
إذا كان حزب العمل الصهيوني الذي أنشأ هذا الكيان قد فاز في عام 1949 بـ46 مقعداً من 120 في أول انتخابات جرت لما يسمى بـ”الكنيست” وتنافس فيها 30 حزباً يمثل نصفهم طوائف وجاليات يهودية وإثنيات متعددة للمستوطنين، فإنه لم يفز في الانتخابات السابقة التي عقدت في نيسان 2019 إلا بـ 6مقاعد.. وبالمقابل كان ديفيد بن غوريون مؤسس حزب العمل هو أول من انشق عنه عام 1965 وأسس حزباً لوحده لم يفز إلا بعشرة مقاعد.. وفي حزب الليكود الذي أسسه مناحيم بيغن مع بداية التسعينات -وهو ثاني أكبر الحزبين المؤسسين للكيان الصهيوني- انشق أرييل شارون وأسس حزباً لوحده لكنه فاز برئاسة الحكومة ثم توزع أعضاؤه بعد أعوام على الأحزاب الأخرى وانتهى من الساحة.
خلال كل هذه السنوات كانت الظاهرة البارزة في كيانات «إسرائيل» الحزبية كثرة الانشقاقات على خلفيات من التناقضات الموروثة، الإثنية والطائفية التي حملها المستوطنون معهم واتخذت شكلاً سياسياً بين مختلف الجاليات اليهودية منذ احتلال فلسطين والهجرة الاستيطانية الاستعمارية إليها.
ولم يعد في السنتين الماضيتين أي حزب من الأحزاب الكبيرة قادراً على تشكيل حكومة ائتلافية تجمع 61 مقعداً -أي النصف زائد واحد- وأصبحت الأغلبية المطلوبة لتشكيل حكومة ائتلافية موزعة على عدد متزايد من خمسة إلى ستة أحزاب أو أكثر، منقسمة بين أحزاب علمانية وأحزاب دينية سلفية، أحدها ليهود شرقيين والآخر ليهود غربيين، وبالمقابل تمكنت الأحزاب التي تمثل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 في النهاية من توحيد نفسها في قائمة موحدة مشتركة ونجحت في الفوز بـ 14 مقعداً في آخر انتخابات جرت في آذار 2020 هي دورة الانتخابات الثالثة خلال عام وأصبح الكيان الآن أمام الانتخابات الرابعة المقررة في 23 آذار الجاري.
ويتبين من هذه الظاهرة التي سادت لدى الأحزاب الصهيونية أنها اتجهت نحو المزيد من الانقسام بينما اتجه الفلسطينيون نحو توحيد صفوفهم في قائمة واحدة للدفاع عن هويتهم وحقوقهم في وطنهم بعد أن كانت الأحزاب الصهيونية تعمل على تجزئتهم منذ عام 1948.
ويتوقع المراقبون والمحللون لواقع الأحزاب في الكيان الصهيوني أن تتكرر بعد انتخابات آذار الجاري النتائج نفسها التي حالت دون نجاح أي من الحزبين الكبيرين: «الليكود» وحزب كتلة «يوجد مستقبل» في تشكيل حكومة وخاصة بعد أن انشق عن الليكود جيدعون ساعر وقد يفوز بـ13 أو 14 مقعداً، سيحصل عليهم على حساب مقاعد نتنياهو.
بالمقابل كان رئيس حزب «أزرق أبيض» بيني غانتس قد انشق عن كتلة موحدة مع حزب «يوجد مستقبل» لكنه قد لا يفوز إلا بعدد لا يتجاوز أصابع اليد من المقاعد.
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه في ظل هذه الانقسامات المتتابعة قبيل كل انتخابات وما بعدها هو: ألا تدل هذه الظاهرة على فشل المشروع الصهيوني وتآكل قدرته على الاستمرار؟
تشير إحدى أهم العوامل الإستراتيجية التي يستند إليها وجود هذا المشروع في المنطقة إلى أن هذا الكيان لا يستطيع المحافظة على بقائه بقدراته الذاتية لوحده، وهذا ما أكده بن غوريون نفسه في الإستراتيجية التي وضعها للمحافظة على وجود الكيان الصهيوني حين حدد لاستمرار بقائه عاملاً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه هو أن تضمن دولة أو دول كبرى بقاءه مقابل الوظيفة التي يقدمها لهذه الدولة، فأصبحت الولايات المتحدة هي الدولة التي تشكل هذا العامل للكيان الإسرائيلي منذ الستينيات، وهذا يعني أنه كيان مؤقت لأن أي ضعف يعتري القوة الأميركية سيجعله يفقد الضامن لبقائه، خاصة أن هذا الكيان لم تقبل به ولن تسلم بوجوده كل شعوب المنطقة، وهو عاجز عن فرض أي اتفاقية تسوية مع أي دولة، لأن كل هذه التسويات كانت تفرضها الولايات المتحدة على دول صديقة أو حليفة لها بالقوة والضغوط والدليل على ذلك أن كل شعوب المنطقة ما زالت ترفض التطبيع مع هذا الكيان الذي تهدد وجوده عام 1973في حرب تشرين التي خاضها الجيشان العربي السوري والمصري وما تبعها من مواجهات خاضها الجيش العربي السوري والمقاومة الفلسطينية واللبنانية حين اجتاح الجيش الصهيوني الأراضي اللبنانية في عام 1982 ثم أجبر على الانسحاب مهزوماً من دون قيد أو شرط.
وفي عام 2006 تلقى هزيمة أخرى على يد المقاومة اللبنانية وفقد القدرة على شن الحروب الشاملة بعد هذه الهزيمة ولم تستطع الولايات المتحدة الدولة الضامن لبقائه أن تمنع عنه كل هذه الهزائم الواضحة.
كاتب من فلسطين