العلاقات المصرية- التركية إلى أين؟

تمت دعوتي هذا الأسبوع أكثر من مرة للحوار حول العلاقات المصرية– التركية, بعد الإشارات التي وصفتها وسائل إعلامية عديدة بأنها إيجابية بين القاهرة وأنقرة, وكان آخرها تصريحات وزير الخارجية التركي بأن البلدين قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إذا سنحت الظروف, وهو ما جعل وسائل الإعلام تتساءل هل حانت لحظة المصالحة؟
بالطبع شهدت الحوارات التي شاركت فيها آراء لثلاثة فرقاء: الأول يرى أن المصالحة قريبة وأوشكت على الحدوث, والثاني يرى بأن هناك تقاطع مصالح بين البلدين يؤهلهما لحدوث المصالحة, والفريق الثالث يرى أن المسألة معقدة وتحتاج وقتاً طويلاً من المفاوضات خاصة وأن هناك شروطاً تضعها القاهرة لإتمام المصالحة.
لقد كنت من أنصار الفريق الثالث الذي يرى صعوبة إتمام المصالحة خاصة وأنه لا شيء من أسباب الخلاف قد زال بين البلدين, فتركيا منذ مطلع عام 2011 تقف في محور العداء الصريح لمصر والأمة العربية, حيث شكلت أحد أهم أدوات مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد, وقامت بدعم ورعاية الجماعات الإرهابية التكفيرية التي قررت الولايات المتحدة الأمريكية استخدامها للعمل كوكيل لها على الأرض العربية لإتمام عملية تقسيم وتفتيت الوطن العربي, كما دعمت تركيا جماعة الإخوان الإرهابية بكل قوة, وعندما خرج الشعب المصري منتفضاً في وجهها -بعد أن تمكنت هذه الجماعة من القفز على السلطة والوصول لسدة الحكم- في 30 حزيران 2013 انتصر الجيش المصري للإرادة الشعبية وأطاح بالجماعة الإرهابية من سدة الحكم, وقد وصفت تركيا ما حدث بأنه انقلاب.
لم تكتف تركيا بذلك بل استقبلت قيادات الجماعة الإرهابية على أراضيها وأنشأت لهم منصات سياسية وإعلامية لمهاجمة الدولة المصرية على مدار الساعة, وشكلت لهم غرف عمليات لإدارة الحرب ضد الشعب والجيش في محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار بالداخل المصري, وخاض الجيش المصري حرباً ضروساً مع الإرهاب بالداخل وعلى جغرافية سيناء بكاملها لسنوات.
كما قامت تركيا بإشعال النيران بالداخل السوري وهو الامتداد الطبيعي والتاريخي للأمن القومي المصري، فسهلت للإرهابيين العبور إلى الأراضي العربية السورية عبر حدودهما المشتركة, وأقامت لهم غرف عمليات عسكرية لإدارة الحرب الكونية على سورية, ثم انخرطت في الحرب بشكل مباشر واحتلت جزءاً من الأرض العربية السورية بعد فشل الوكلاء الإرهابيين في تنفيذ مخططاتهم ونجاح الجيش العربي السوري في محاصرتهم والانتصار عليهم.
وعندما وجدت مهمتها في سورية قد أصبحت مستحيلة بعد حصار الإرهابيين في إدلب قامت بنقل آلاف الإرهابيين إلى ليبيا في محاولة للضغط على مصر بورقة الإرهابيين, وعندما وقعت مصر اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان للاستفادة من ثرواتها النفطية والغازية الموجودة بشرق المتوسط, جن جنون النظام التركي واعتبر ذلك إضراراً بمصالحه في شرق المتوسط فذهب إلى «حكومة السراج » ووقع معها اتفاقيات غير شرعية ليوجد نظام أردوغان لنفسه موطئ قدم في شرق المتوسط, وهو تهديد مباشر للأمن القومي المصري, ما استدعى من مصر توجيه رسائل مباشرة لتركيا بأن سرت– الجفرة خط أحمر وعبورهما سيجعل مصر تتدخل عسكرياً وبشكل مباشر في ليبيا.
وإذا كانت هذه بعض ملامح الخلاف المصري– التركي فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هو الجديد الذي تغير على الأرض ليجعل المصالحة المصرية– التركية ممكنة, ويجعل مصر توافق على ترسيم الحدود البحرية مع تركيا على حد زعم وزير خارجيتها؟
أي مصالحة محتملة يجب أن تبنى على أرض الواقع عبر تغيير جذري في المواقف التي سببت الخلاف, وهنا يأتي سؤالنا الأول هل يمكن لأردوغان الذي بنى مجده السياسي على مشروع الخلافة الإسلامية في المنطقة أن يتخلى عن جماعة الإخوان الإرهابية؟.. وهذا بالطبع يتطلب وقفاً فورياً للدعم السياسي للجماعة الإرهابية, وكذلك إغلاق المنصات الإعلامية التي تهاجم الدولة المصرية, وتسليم قيادات الجماعة الإرهابية التي صدرت ضدهم أحكام من القضاء المصري, ووقف إرسال الإرهابيين لسيناء.
والسؤال الثاني: هل سيقوم أردوغان بوقف عدوانه على سورية والانسحاب من الأراضي التي تحتلها قواته وميليشياته؟.. وهذا بالطبع يتطلب أيضاً, وقف عمليات التغيير الديمغرافي التي يقوم بها في الشمال السوري, وكذلك وقف دعم الجماعات التكفيرية الإرهابية الموجودة على الأرض السورية؟.

والسؤال الثالث: هل سيقوم أردوغان بإلغاء ما تم الاتفاق عليه مع حكومة السراج في ليبيا؟.. وهو ما يتطلب سحب قواته الغازية أيضاً, وكذلك سحب الإرهابيين الذين أحضرهم للأراضي الليبية, وإذا كان يملك إلغاء الاتفاقيات الباطلة وسحب قواته, فهل بإمكانه سحب الإرهابيين, وهل هناك إمكانية لسحب الإرهابيين من دون مواجهة عسكرية مع الجيش الوطني الليبي؟
هناك صعوبة في قبول تركيا وأردوغان بالتراجع عن هذه المواقف, وبالتالي هناك صعوبة شديدة في حلحلة الموقف المصري الذي يمكن أن يقودنا لمصالحة مع تركيا في اللحظة الراهنة, وبالتالي إنجاز توقيع اتفاقية حدود بحرية معها خاصة وأن أردوغان لا يعترف باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار, تلك الاتفاقية التي تعد مرجعية لترسيم الحدود بين الدول, والتي بموجبها رسمت مصر حدودها البحرية مع قبرص واليونان, وهو عائق يجب تجاوزه أيضاً إذا ما أرادت تركيا ترسيم حدودها البحرية مع مصر.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
كاتب من مصر

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار