الكيان الصهيوني وتزايد الشكوك بإمكانية ضمان بقائه
إذا كان واقع كيان الاحتلال الصهيوني لديه قوة عسكرية تستوجب وضع الحسابات لها برغم ما يتمتع به من دعم الدول الاستعمارية منذ إنشائه على أرض فلسطين المحتلة، فإن استطلاعاً بسيطاً وموجزاً لسجل حروبه وأشكال عدوانه ضد الأمة العربية وشعوب منطقة الشرق الأوسط يدل بوضوح على عجزه عن تحقيق أهدافه الإستراتيجية أي أهداف الامبريالية الغربية التي حُددت له ضد هذه الأمة، بل إنه كيان أصبح بعض قادته يتساءلون الآن عن مدى قدرتهم على المحافظة على وجوده برغم انقسام العالم العربي والتحديات الكبيرة التي تواجه دوله المستقلة المناهضة للاحتلال وللهيمنة الأميركية، فقوة محور المقاومة وحدها أصبحت تشكل باعتراف معظم قادة الكيان الصهيوني خطراً مصيرياً على مستقبل وجوده.
ولعل أوضح من أبدى وجهة نظره حول قوة “إسرائيل” ومدى اعتمادها الكلي على استمرار الدعم الأميركي هو الإسرائيلي تشارلز تشاك فرايليش الذي عمل سابقاً نائباً لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي وألف كتابين حول هذا الموضوع بالانكليزية أحدهما بعنوان «معضلة صهيون: كيف تصنع إسرائيل سياسة أمن قومي» وكتاب صدر عام 2017 عن أوكسفورد بعنوان «الأمن القومي الإسرائيلي: إستراتيجية جديدة لعصر التغيير».
وكان فرايليش قد شارك في مؤتمر هيرتسيليا السنوي عام 2017 وقال في البحث الذي قدمه: يستحيل أن يبالغ أحد بمدى أهمية الولايات المتحدة للأمن القومي الإسرائيلي فهذه الأهمية هي في المقدمة لأن الولايات المتحدة هي بشكل محتم الوسيلة الرئيسة في تلبية ما تواجهه “إسرائيل” من تحديات وهي التي تكون الحاضرة في أول ونهاية أي نقاش يجريه أصحاب القرار في “إسرائيل” بين بعضهم البعض ولذلك لا توجد نسبة استقلال إسرائيلي عن الولايات المتحدة في القرار.
ويضيف: في الحقيقة أصبح اعتماد “إسرائيل” على الولايات المتحدة عميق جداً إلى حد يجعل مسألة استمرار بقائها يبعث على التساؤل فيما إذا كانت قادرة على البقاء من دون الولايات المتحدة.
ويعرض فرايليش مبالغ المساعدات المالية السنوية التي يتلقاها الكيان الصهيوني من واشنطن ويقول إنها تشكل 3% من ميزانية “إسرائيل” و40% من الميزانية السنوية للجيش الإسرائيلي، بل إن قيادة هذا الجيش تدفع من هذه المساعدات تعويضات التقاعد ونفقات أسر القتلى والجرحى ويؤكد أن «إيقاف هذه المساعدات المالية الأميركية يولد متاعب كبيرة للجيش».
ويعرض فرايليش هذه الأرقام من دون أن يتطرق إلى قيمة الأسلحة الحديثة وذخائرها ونفقات التدريب عليها ومناوراتها، ما يثبت أن الكيان الصهيوني لا يمكن أن يستمر وجوده من ذاته وبذاته بل من أشكال الدعم المستمر الخارجي ويعترف أن «أي دولة أخرى من القوى الكبرى لا يمكن أن تحل محل واشنطن في تقديم هذا الدعم، لا فرنسا ولا بريطانيا ولا الصين، ولذلك يصبح أي نقص بالدعم الأميركي لتل أبيب إنذار خطر على استمرار وجودها».
والسؤال المطروح هنا هو: إلى متى تستطيع واشنطن أن تستمر وهي ترى أن مشروعها الصهيوني بات يتجه نحو الخسارة وليس الربح.. لا من وظيفته بعد تآكل قدرته على الردع.. ولا من وجوده عاجزاً عن خوض حرب لوحده في هذه الظروف التي يطلب فيها دعماً بالقوة البشرية الأميركية وهو ما لا تستطيع واشنطن القيام به بعد تراجع قدراتها على حسم حروبها في أفغانستان والعراق وحساباتها أمام إيران ومحور المقاومة وما يشكله الأخير من تهديد لمصالحها في المنطقة.
ونلاحظ من سجل حروب هذا الكيان أن حربه في عام 1967 ولدت حرب استنزاف مصرية- سورية- فلسطينية استمرت حتى عام 1971 دفع ثمنها باهظاً على عدة جبهات إلى أن فوجئ بحرب تشرين عام 1973. ثم عاد بعد إغلاق جبهة مصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد فوجد جبهة مقاومة لبنانية وفلسطينية يدعمها الجيش العربي السوري بعد أن تصدى لاجتياح الأراضي اللبنانية عام 1982 بطائراته وكافة أسلحته، فانبثقت جبهة جنوب لبنان التي دحرت قوات الاحتلال وحررته من دون قيد أو شرط.
واستمرت في فلسطين انتفاضة الحجارة عام 1987 وتحولت في التسعينيات إلى جبهة مقاومة مسلحة حققت تحرير قطاع غزة من دون قيد أو شرط عام 2005 واعترف قادة جيش الاحتلال الصهيوني بأن جيشهم أصبح أمام جبهة الشمال من حدود الجولان إلى جنوب لبنان، وكذلك جبهة قطاع غزة من الجنوب وجبهة المقاومة في الضفة الغربية، ما جعل فرايليش يعترف بوجود شكوك حول بقاء “إسرائيل”.
كاتب من فلسطين