الأزمة الأوكرانية والعمل العربي المشترك
منذ أن اتخذ مجلس الجامعة العربية قراره بتجميد عضوية سورية ، كان مؤيدو محور المقاومة يرون أن الجامعة العربية فقدت عروبتها بهذا القرار.
بعد تصاعد الأحداث، وصمود سورية الذي أوصلها إلى النصر، عاد موضوع عودة سورية إلى جامعة الدول العربية إلى الواجهة، وطالبت أكثر من دولة بعودتها إلى مكانها الطبيعي داخل المنظمة العربية.
على الرغم من أن الموقف الرسمي السوري تعاطى بإيجابية مع فكرة عودة العمل العربي المشترك، وتأكيد أكثر من مسؤول سوري، وعلى رأسهم وزير الخارجية، تطلُّع سورية إلى طي صفحة الماضي وعودة التنسيق العربي في القضايا الإقليمية والدولية، إلا أن جمهور محور المقاومة ما زال يرى أن سورية لا تحتاج للعودة إلى جامعة الدول العربية، أو العمل مع الدول التي تآمرت عليها.
لم يتغير الكثير في الوضع الرسمي العربي، فما زالت التباينات والخلافات تتسيّد المشهد السياسي، حتى الحراك العربي لعودة العلاقات الطبيعية مع سورية أصابه بعض الفتور في ظل حالة الترقب التي تسود المنطقة والعالم.
العودة إلى مباحثات فيينا، واقتراب الوصول إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران، أرخت بظلالها على الوضع في منطقة الخليج، فالسعودية وبعض الدول الخليجية تنظر إلى هذا الاتفاق كتهديد لأمنها. وكون سورية الحليف الرئيس لإيران في المنطقة، فقد انسحب هذا الترقب على زخم عودة العلاقات السورية الخليجية، ولعل زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات حملت، فيما حملته، بعض التطمينات لدول الخليج من أنها ليست مستهدفة من هذا الاتفاق.
أما مصر، فتعاني من ضغوط خارجية كبرى، خاصة فيما يتعلق بملف سد النهضة الأثيوبي والوضع على الحدود الليبية، ناهيك بأزمتها الاقتصادية المزمنة، تحاول مصر الحفاظ على علاقات دافئة مع معظم الدول العربية بهدف استعادة دورها المركزي، وخاصة داخل الجامعة العربية، وهو الدور الذي فقدته لصالح أكثر من دولة خليجية.
لكن مصر ما زالت غير قادرة على اتخاذ الخطوة الأهم تجاه سورية، وهي عودة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، رغم أن العلاقات المصرية- السورية تشهد تعاوناً معقولاً جداً، ويمكن لعودة العلاقات المصرية- السورية منح الزخم لدعوة الرئيس الجزائري بعقد القمة العربية بحضور سورية.
يبدو أن العلاقات بين سورية والأردن تسير بهدوء وانتظام بعيداً عن الضجيج الإعلامي الذي يمكن أن يدفع بعض الدول لوضع ضغوط على الأردن، هذه الضغوط التي نجحت في الماضي في تأزيم العلاقات بين البلدين أكثر من مرة، رغم ذلك ما زال الأردن متمسكاً ببنود “قانون قيصر”، وهو ما يحد كثيراً من تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والذي يمكن أن يساعد كثيراً في حلّ الأزمة الاقتصادية فيهما.
جاءت الأزمة في أوكرانيا لتحول الترقب إلى حالة من الجمود، الموقف الأوروبي الأميركي المتشدد تجاه روسيا، وكل من يتعاون معها، خلق حالة من البلبلة والتناقض في المواقف.
ففي الوقت الذي أعلنت فيه كلّ من الأردن ولبنان وقطر انحيازها إلى المعسكر الأميركي، انفردت سورية بموقفها المؤيد للمتطلبات الأمنية لروسيا، والمعترف باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، فيما التزمت بقية الدول العربية الصمت، وامتنع بعضها عن التصويت على قرار لإدانة روسيا في الجمعية العامة، في حين أيدت القرار دول أخرى مثل مصر التي تلتزم خارجيتها حالة من الصمت الحذر تجاه الأزمة.
سبب الترقب ليس سياسياً، ولكنه اقتصادي بالدرجة الأولى.. لقد أدت الأزمة، وما ارتبط بها من عقوبات، إلى انخفاض مجمل الإنتاج العالمي بنسبة 1% خلال ثلاثة أسابيع، وهو رقم كبير جداً.
ولكون دولنا العربية في معظمها تابعة اقتصادياً فإن آثار الأزمة على اقتصاداتها ستكون مضاعفة.
تعدّ مصر ثاني مستورد للقمح الروسي، وهي أحد المستوردين الرئيسيين للذرة من أوكرانيا، ويعاني لبنان من وضع مشابه.
كما تعدّ الإمارات العربية ومصر من بين أكثر عشر وجهات سياحية يقصدها السياح الروس والأوكرانيون. تبعاً لذلك، ستؤدي الأزمة إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالقمح وزيت الطهي، وفي الوقت نفسه هبوط حاد في مداخيل السياحة والطيران ما سيعمّق الأزمات الاقتصادية القائمة.
تعاني دول مثل الأردن وسورية وتونس ولبنان والسودان من ارتفاع تكاليف الطاقة، التي يشكل دعمها أحد أهم مصادر العجز في ميزانيات هذه الدول.
كما أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية سيضع المزيد من الضغوط على موازناتها التي تعاني عجزاً مزمناً، في ظل تجاوز الديون الخارجية لإجمالي الناتج المحلي.
كما أن أزمة الغذاء ستنعكس بشكل خطير جداً على الأوضاع الإنسانية في بعض الدول العربية مثل اليمن، الأمر الذي دفع مدير برنامج الغذاء العالمي إلى الإعلان، من داخل اليمن، «إن العالم لا يحتمل أزمة أخرى تزيد معاناة اللاجئين».
كاتب من الأردن