لن تحرروا القدس حتى تكونوا أطفالاً، حتى يكون النقاء طبعاً، والفضيلة سِمتاً على طريق النّضال.. الأطفال دائماً هم الذين يحققون الاستئناف الرّضي، ويخرجون من نفاق الكبار الذين أعيتهم القضية وحوّلوها إلى ورقة أو صكّ تجاري أو موجة للركوب أو دكان للاتجار أو ممر للعبور، وحينما نفقد نقاء الطفل نفقد واحدة من عوامل النّصر، فتكون الهزيمة قدرنا جميعاً.
أعيدوا إلى فلسطين جوهرها الطفولي، كما تجلى في الانتفاضة، فالكبار يحسبونها عِوجاً، ومن طال عليه الأمد قسى قلبه حتى عاد كالحجارة أو أشدّ قسوة. إنّ طريق فلسطين مملوء بالوجع والمعاناة والتضحية، ولكنه أيضاً يعاني اختراق الدكاكين والمدعين وراكبي الأمواج، إنه طريق محفوف بالجبن والإنتهازية والنّفاق. ووحده الطفل يملك أن يربك كلّ هذه الحسابات. لوددت أن يكون على رأس الكفاح الفلسطيني طفل لا عهد له بالنّفاق.
الطفل أيضاً هو أمل القضية، وحتى حين يبيع العرب فلسطين، وحين يتاجر بها الكبار، فإنّ الأجيال القادمة لن تكون مجبورة على القبول بالصفقات والتسويات غير العادلة. ذلك الطفل هو الرهان، هو فلسطين بعدالة القضية التي لا عدالة تضاهيها، بحق شعب مضام وأرض سليبة. لن تستعيد فلسطين وهجها حتى يعود الطّفل مجدداً، انتفاضة تحمل براءته.
لقد فشل هذا الجيل، وعلى الأطفال ألّا يسمحوا بتصفية القضية، وذلك عن طريق الدعوة للطفولة بأن تكون عاقّة للأبوية الانهزامية، عقوقاً يستمدّ شرعيته من تعاليم لاهوت التحرير.
العودة إلى الطفولة تعني عملياً العودة للانتفاضة، لأقوى لعبة تقوض سياسة المحتل، وهي وحدها تمنح زخماً للسياسيين وطلائع الكفاح. ألم يكن هؤلاء القادة يوماً أطفالاً.. أليس كل ما اكتسبوه هو بفضل نضالهم الطفولي الأوّل قبل أن يفسدوه بالصّفقات.. لماذا لم يتركوا لأطفال الجيل القادم المبادرة، ويوفروا لهم فقط التربية على الكفاح؟
الطفل الفلسطيني هو النّقاء، هو المستقبل، هو طليعة كفاح يوم لا يبقى في الضمير إحساس بالتّحرر. إنّه في طليعة الطفولة التحررية، ووحدها اللعبة حين يخوضها الطّفل تكون أكثر جدّية. لديّ خبرة كافية بما يملكه الطفل من قدرات، وكما يؤكد برتراند راسل، فالإنسان يولد جاهلاً ولكن الغباء تربية. بالفعل، إنّ الجهل الأول، هو جهل بسيط، يرفع بخبرة الحياة وبالتعلم البسيط، لكن الجهل المركّب الذي هو أصل الغباء، هو تربية. إنّ للطفل رؤية بعيدة المدى، خيالاً نقياً، وطموحاً بريئاً، وعناداً كبيراً. دعوا الطفل الفلسطيني يعبّر عن نقائه ورشده وفروسيته. سنكون أمام أسوأ احتلال تحاصره ، وتقاومه الطفولة، وبذلك، لا نستبعد أن النظام الدولي سيعيد النظر في المواثيق الدولية حول الطفولة، لصالح تجريمها، هناك فقط سيسقط القناع.
كاتب من المغرب