في خطبته أثناء تسلمه جائزة نوبل, روى الكاتب عبد العزيز قرنه حكايته مع الكتابة مرجعاً أصولها إلى المدرسة, حيث كان –كما قال– ينتظر حصة الكتابة حتى ينكب في الفصل على الاستغراق في كتابة ما يتذكره من قصص أو أحداث, وكان لجلسة الأستاذ في الفصل ومتابعته للطلاب وهم يكتبون تأثير ملهم وبالتوازي مع الكتابة في حصة الكتابة, انطلق من المدرسة في القراءة, وهكذا أرجع قرنه أصول إبداعه الروائي إلى المدرسة قراءة وكتابة، إنها تجربة تكشف عن أهمية وعمق دور المدرسة كنبع أصلي ومكون لموهبة كل طالب.
ثم عندما أصبح (قرنه) مدرساً صار يجلس ليتأمل طلابه وهم يكتبون خطاياهم وخواطرهم, وانتقل التلميذ الجالس ليكتب قصصه إلى الأستاذ الذي يتأمل هذا الصبي المستغرق بشغف كتابة القصص, بذلك يوحي قرنه, أنه بات في الوقت نفسه, الصبي المستغرق بشغف الكتابة والأستاذ المستغرق في تأمل الصبي«نفسه» وهو يكتب وهذا ما جعله يقول: في البداية كتبت بعشوائية.. وقرأت بعشوائية ثم تدريجياً «صارت كتابتي وقراءتي منهجيتين».
عبد الرزاق قرنه نال جائزة نوبل للآداب 2021 من أصل عربي يمني (حضرموت) ولد في جزيرة زنجبار وتربى في تنزانيا وبسبب الاضطهاد والظلم والتمييز, هاجر إلى بريطانيا, وهناك بدأ الكتابة ليظل على ارتباط ببلده ومجتمعه وليفضح الاستعمار والاغتراب والاستبداد والعنصرية والتمييز, وهذا ما جعل كتاباته تتناول مراحل متعددة من التاريخ مقدماً تعبيراً روائياً, يعرض فهماً للتاريخ بمراحله المتعددة من الاستعمار إلى الديكتاتورية إلى التمييز العرقي، وظلت قضية اللاجئ المغترب قضيته.. وبرغم كل هذه الرحلة, فإنه يؤكد أن المدرسة والمدرس كانا البدء؛ من المدرسة بدأ الكتابة والقراءة، ومن التفاعل مع المدرس بدأ التأمل والاستغراق، ومن المدرسة والمدرس بدأ قرنه تجميع مخزونه المعرفي الذي صار ينهل منه عندما أصبح كاتباً, وهذا المخزون هو ما جعل إنتاجه كتابة وليس مجرد خواطر, كما قال.
خطابه أثناء تسلم جائزة نوبل، قدم للعالم خلاصة تجربته الإبداعية, المدرسة والمدرس أولاً, المدرسة والمدرس هما نبع الإبداع وسلم الارتقاء للأفراد والشعوب, «المدرسة والمدرس أولاً», كانا ملهمي إبداع وليسا مخمدي المواهب وخانقي القدرات!.