ليس من قبيل المصادفة أبداً تزامن إدراج القدود الحلبية كجزء من التراث الإنساني اللامادي مع الذكرى الخامسة لتطهير حلب من الإرهاب مع مناسبة أعياد الميلاد، إنها أيضاً ليست عبقرية التاريخ فقط بل هي جزء من إبداع التاريخ ، وكل ذلك جزء من الهوية الحضارية الوطنية السورية المفعمة بروح تحفظها و تشحن روحها بطاقة متجددة و مبدعة بشكل مستدام ..
جاء إدراج القدود الحلبية لدى منظمة الأونيسكو جزءاً من التراث اللامادي الإنساني كنسمة منعشة لجذوة هويتنا الحضارية الوطنية لتنبض فينا أكثر و أكثر, دافعة نحو إعادة العمران، عمران الوجدان و الضمير و الروح بالتوازي مع إعمار المدن و القرى و المرافق و المعامل و المزارع ، و لأن الأمر يتعلق بالهوية فلا بدّ من وقفة متأنية عند معانيها، و كما أن معنى القدود جمع «قد»، إنها موسيقا موزونة على « قد» و معيار و مقياس، كذلك فإن الهوية ما هي إلا روح موزونة على مقياس « قد» مكوناتها الناظمة البادئة من التفاعل مع المحيط و الآخر، و المبدعة لتفاصيل الحياة المجتمعية و المبتكرة للفرح الإنساني بكفاءة و قدرة متطورة باستمرار، و بسلوك النزاهة و النبل في الإبداع و التعامل و التفاعل و الحياة، إنها الهوية, القائمة على القيم و الإبداع و الإتقان و النزاهة و الشرف و النبل، لذلك فهي الهوية الحضارية المعبرة عن العروبة كرحم تتفاعل فيه كل الجينات الأقوامية و الثقافية لتلد حياةً حضارية مستدامة للارتقاء الإنساني .
و كما بدأت القدود على يدّ القس السرياني مار أفرام ( 306 م) و اغتنت بما وفد إليها من بلاد الرافدين, و الحجاز و اليمن و كما «تدوزنت» مع ما جاءها من الأندلس من موشحات، و كما كانت رحماً لكل هذه العناصر تتفاعل فيه لتلد هذا الفن السوري الأصيل المعبّر عن حضارتها و تراثها و وجدانها، هذا الفن الحامل لهويتها, المبنية على التفاعل مع الآخر, و القائمة على الإبداع و الإتقان و الارتقاء ، لذلك قالت الأونيسكو إن القدود تراث و روح , تنشئ و تعمّق السلام, و تحفّز على العمران, و تدفع للارتقاء .
إنها هوية أساسها الإبداع و الإتقان و الكفاءة.. وبفيزيولوجيتها هذه فهي نقيض الغباء و البلادة و العمى و الفشل و الفساد و الإرهاب، و هي نقيضة هذه السموم القاتلة للروح و الحضارة و المستقبل .. إنها الهوية الحضارية الإنسانية الوطنية السورية، هوية الارتقاء و الإبداع المستدام و فيزيولوجيتها الأساسية رفض و طرد كل أنواع السموم الظاهرة و المستترة و عمران كل أصيل و حي و مبدع .