رحيل .. شجرة في خريف العمر

لا أدري إن كنت سأسميها نصوص الخسارات أم الحسرات! .. فالشجرة الوارفة التي أزهرت يوماً بعد حرب تشرين التحريرية، عندما تأسست جريدة تشرين، أوراقها التي تتساقط تباعاً .. هكذا عليّ الآن أن أسترجع محمد الماغوط وحنا مينه وحسن قطريب، والآن عبد الإله الرحيل الذي سقطت ورقته عن الشجرة التي بقيت تكافح بكل ما أوتيت من قوة كي تعيش!.
في الزاوية المنعزلة داخل القسم الثقافي في جريدة تشرين، اختار عبد الإله الرحيل مكان إطلالته على العالم.. كان قليل الكلام كثير التفكير، وإذا كان يصح أن نقول: “سيماهم في نصوصهم”، فإن العثور على عبد الإله لا يمكن أن يتم إلا من خلال نصوصه، في القصص والروايات والزوايا الصحفية، إنها إشكالية البحث عن شخصية الكاتب في نصه، وربما لأجل هذا لا نكتشف غياب الأشخاص إلا بعد رحيلهم، فكيف إذا بقيت نصوصهم مؤجلة ولم نقرأها إلا بعد غيابهم القسري.. رحل عبد الإله الرحيل، وكانت ورقته قد انزاحت منذ التقاعد عن شجرة «تشرين» لصالح أوراق لم تستطع أن توزع الظلال أو تصنع الفيء أو تساهم في عملية انتاج الأوكسجين والتركيب الضوئي كما يجب.. وبالتالي يكون السؤال المنطقي ملحاً ووارداً على الدوام: ماذا فعلنا بإرث الرموز الثقيل الذي لم نستطع أن نزكي ربيع شجرته الخضراء التي تأسست بعد الانتصار في حرب تشرين المباركة؟.
تسقط اليوم ورقة جديدة عن أغصان الشجرة التشرينية، ويبدو عبد الإله طاعناً في المسافات بعيداً في الغياب، لكن في الوقت نفسه يظل ملتصقاً بالزاوية الحزينة المنعزلة داخل القسم الثقافي ، فالأشخاص يعطون هويتهم للأمكنة ويتركون بصماتهم على الطاولات وأجهزة اللاب توب، والأهم من ذلك كله، يغيبون لكنهم يكلفون نصوصهم بمهمة الحضور دائماً.. اختار عبد الإله رحيلاً مفاجئاً سبقه تمهيد طويل من الغياب، عسى الذكرى تستيقظ يوماً، فتهز هذه الشجرة من الجذور!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار