“ليلة القدر خير من ألف شهر”
يصادف اليوم موعد أجمل ليالي شهر رمضان المبارك.. ليلة خير من ألف شهر، إنها ليلة القدر الليلة التي تكتب فيها الملائكة الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، فيظهر للملائكة ما يكون فيها، ويأمرهم الله بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله به وتقديره له، وقيل سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها وهي إلى آخر الدهر.
الدكتورة مؤمنة الباشا أستاذة مادة الحديث الشريف في كلية الشريعة جامعة دمشق بينت فضل ليلة القدر حيث قالت: فيها نزل القرآن إلى السماء الدنيا، وكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئاً أوحاه وجاء في القرآن الكريم {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}.. بداية نزول القرآن كانت في تلك الليلة المباركة ليلة القدر التي عظم الله شأنها ورفع قدرها بين ليالي السنة, وجعل الأجر فيها أفضل من أجر ألف شهر وخيرها أفضل من خير ألف شهر, إذ تتنزل الملائكة والأرواح الطيبة بأمر ربها لنشر الخير والبركة على الأرض, ومن بركتها أنها سالمة من كل شر وآفة. قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر].
ويقول الله تعالى مبيناً فضل القرآن وعلو قدره {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} كما قال تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}.. وذلك أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في رمضان في ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكراً.. وسميت ليلة القدر لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية، ثم فخم شأنها وعظم مقدارها فقال { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } أي: فإن شأنها جليل، وأمرها عظيم. {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [خالية منها]، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنَّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمراً طويلاً، نيفًا وثمانين سنة. { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} أي: يكثر نزولهم فيها { مِنْ كُلِّ أَمْر} ..{ سَلَامٌ هِيَ } أي: سالمة من كل آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها،{حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } أي: مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر. وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصاً في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعتكف، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر عمل فيها خير من عمل ألف شهر فيها تتنزل الملائكة وجبريل معهم، وهو الروح لا يلقون مؤمناً ولا مؤمنة إلا سلموا عليه سلام هي حتى مطلع الفجر.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”.
وقد أخبرنا بالتماسها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، ولم يحدد لنا أي ليلة هي والحكمة في إخفاء ليلة القدر، ليحصل الاجتهاد في التماسها، ومن علاماتها كما أخبر الرسول عليه السلام أن الشمس تطلع يومها لا شعاع لها، قيل لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها ونزولها إلى الأرض، وصعودها بما تنزل به سترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها، واختلفوا هل لها علامة أخرى تظهر لمن وفقت له أم لا ؟ فقيل : يرى كل شيء ساجداً، وقيل الأنوار في كل مكان ساطعة، وقيل : يسمع سلام من الملائكة، وقيل علامتها استجابة الدعاء.
ويستحب أن يقال فيها :”اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
والثواب الجزيل يحصل لمن قام ابتغاء ليلة القدر ولو لم يعلم بها ولو لم توفق له.
اللهم بلغنا ليلة القدر واجعلنا فيها من مجابي الدعاء.