عندما يريد الغرب أن تصبح اللاقضية، قضية، ويتم الاستثمار بها، تصبح القضايا الأساس جانبية تبعاً لخلفيات ودوافع متعلقة بالأطراف الدولية، أو الطرف الدولي المراد إزعاجه أو “مشاكسته”.
بناء على ما تقدم، تواصل أوروبا الاستثمار فيما أطلق عليه “قضية” المعارض الروسي أليكسي نافالني -فقد زعمت أوروبا “أن روسيا أقدمت على تسميمه” في وقت سابق- مهددة بفرض عقوبات على موسكو، تماشى ذلك مع التحريض الأمريكي عبر نشر السفارة الأمريكية في موسكو مؤخراً مسارات وأماكن الاحتجاجات التي دعا إليها نافالني المعتقل حالياً لدى السلطات الروسية.
هي محاولة أوروبية جديدة لزعزعة أمن واستقرار روسيا وإشغال ساحتها الداخلية بالفوضى والمشاكل الأمنية، ظناً من الأوروبيين أن ذلك سينعكس بالضرورة على انكفاء روسيا والتفاتها للداخل، أي الحد من القوة الروسية التي تقلق الغرب وأمريكا.
ليست هذه المرة الأولى التي يعمد فيها الغرب لاستفزاز روسيا، فسبقها الكثير مثل قضية العميل المزدوج سيرغي سكريبال وقبلها أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وتحركات “ناتو” بالقرب من الحدود الروسية وغيرها.
ربما عدم جدوى الجولات السابقة في تحقيق النتائج المرجوة هو ما دفع الغرب في كل مرة لاختلاق قضية وإثارتها واستخدامها ضد موسكو.
يرى مراقبون أن العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي ذات طابع إستراتيجي ولكنها صعبة في آنٍ معاً، لذلك فهي علاقات دائماً ما تخضع للتجاذبات بين دعوة البعض للحوار مع موسكو وبين مناهضة البعض الآخر، وبين هذا وذاك، هناك مصالح مشتركة لا يمكن الإضرار بها إلى حد ما، فألمانيا مثلاً لا تستطيع المخاطرة كثيراً على خلفية “السيل الشمالي2″.
نافالني لا يعدو كونه ورقة ضغط، وهو كشخص لا تعني الغرب حياته و”تسميمه” أو حتى موته، لكن التوقيت الذي ظهر به هو ما جعل منه “قضية” أو الأصح حوله الغرب لقضية والدوافع باتت مكشوفة.
ما يدعم هذا، أن نافالني أعيد إلى روسيا بعد أن كان في ألمانيا للعلاج من “التسمم”، والسؤال المشروع هنا ألا يخشى الغرب من تعرضه لعملية “تسميم” ثانية؟..
المتتبع لمسارات المواجهة غير المباشرة بين الغرب وأمريكا من جهة وروسيا من جهة أخرى، يدرك أن ما سمي “قضية نافالني” جولة من الجولات بانتظار جولات لاحقة، وبذلك يُثبت الغرب أنه لا يمكن أن يكون صديقاً سوى لنفسه ولأمريكا حتى مصالحه دائماً مرهونة بأمريكا.
على العموم الإستراتيجية الغربية والأمريكية تجاه روسيا تبدو بنظر المراقبين واضحة لا لبس فيها، تقوم على محاولات الضغط، موسكو تعي ذلك لكنها تنحو دائماً باتجاه الحوار والسلام والتعاون وتحسين العلاقات وهي أبعد ما تكون عن تقديم “تنازلات” كما يريد الغرب.