معركة مفتوحة ضد اونروا.. واشنطن من غزة إلى تكساس ومسار انتخابات رئاسية مصيرية؟
تشرين- هبا علي أحمد
يبدو أن الولايات المتحدة تصارع على أكثر من جبهة وجهة، وإذا كان هذا حالها الدائم عموماً، لكن اليوم لا تأتيها المصائب فُرادى كما يقال، بل أتت في عز موسمها الانتخابي، فهي بين البحث عن مخرج ينقذ الكيان الإسرائيلي من انكساراته السياسية والأمنية والميدانية والعسكرية والدبلوماسية والقانونية وينقذها أيضاً، وبين تلقيها الضربات من جهة الجنوب –أي جبهة اليمن- وبين شبح الحرب الأهلية ورياح الانقسام اللتين تلوحان في الأفق بعد تمرد ولاية تكساس بما يشي المشهد الآتي من هناك باحتمالية خروج الأمور عن السيطرة وتفجر الوضع وأثر ذلك في السباق الانتخابي.
أرادت واشنطن عبر تعليق تمويلها لـ«أونروا» أن تظهر وجهها الحقيقي في مشاركة الاحتلال إبادته الجماعية للفلسطينيين في توجه واضح وعاجل لتصفية القضية الفلسطينية وتصفية الشعب الفلسطيني إن أمكنها ذلك
واشنطن تعاقب ملايين الفلسطينيين
الواضح أن أمريكا لا تستكين، وهي رغم كل ما تواجهه داخلياً من تجاذبات انتخابية، يبقى للكيان الصهيوني حصة رئيسية من الدعم والرعاية وهي لا تدعم الكيان بقدر ما تدعم همجيته وإجرامه وفتكه بحق أصحاب الأرض والقضية الفلسطينية، فبعد قرار محكمة العدل الدولية بخصوص الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا ضد «إسرائيل» لارتكابها إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، علقت واشنطن تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، وانضمت إليها أستراليا، كندا، ألمانيا، بريطانيا، هولندا، سويسرا، فنلندا، وإيطاليا، إذ أكّدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، أنّ تعليق الدول لتمويل «أونروا»، جاء في اليوم التالي لقرار محكمة العدل الدولية الذي ألمح إلى أنّ «إسرائيل» ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، قائلة: إنّ الدول التي علقت تمويلها للوكالة الأممية تعاقب ملايين الفلسطينيين في توقيت حساس، متهمةً إياها بانتهاك التزاماتها المتعلقة باتفاقية منع الإبادة الجماعية.. في حين أكّد المفوض العام للوكالة ، فيليب لازاريني، أنّ قرار عدة دول تعليق التمويل للوكالة يهدد العمل الإنساني في المنطقة، خصوصاً في قطاع غزة.
– المشاركة في الإبادة الجماعية
أرادت واشنطن عبر تعليق تمويلها للوكالة أن تظهر وجهها الحقيقي في مشاركة الاحتلال إبادته الجماعية للفلسطينيين في توجه واضح وعاجل لتصفية القضية الفلسطينية وتصفية الشعب الفلسطيني إن أمكنها ذلك، وفي توجه واضح لرفضها قرار المحكمة الذي يدعم الكيان بصورة فورية لاتخاذ «التدابير المؤقتة».. وإن كان قرار المحكمة تنقصه الكثير من الأمور، مادام أنه لم يتوصل لنتيجة وقف إطلاق النار وهو أقصى آمال أبناء القطاع الذين ترتكب بحقهم أبشع أنواع الجرائم، لكن الخطوة الأمريكية إقرار واضح بالعجز عن حماية الكيان إلى أقصى الحدود، وهي وإن استخدمت حق (الفيتو) كما يرتقب في مجلس الأمن الأسبوع الجاري بخصوص قرار محكمة العدل، فإنها لم تستطع بأي حال أن تمحو ما تعرض له الكيان من مساءلة قضائية ووضعه في قفص الاتهام ولا تستطيع إيقاف المسار القانوني والقضائي المستمر الذي بدأته جنوب إفريقيا ضد الكيان.
الدول التي علقت تمويلها لـ«أونروا» تعاقب ملايين الفلسطينيين في توقيت حساس وتنتهك التزاماتها وفق اتفاقية منع الإبادة الجماعية
– شهداء من دون دفن
من الطبيعي لمن يساهم في الإبادة الجماعية ألا يسمع بعدّاد الشهداء المتصاعد نتيجة العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، إذ أفادت مصادر طبية باستشهاد عدد من الفلسطينيين بعد قصف طائرات الاحتلال والمدفعية الإسرائيلية مناطق متفرقة في خان يونس ومناطق أخرى في جنوب وغرب مدينة غزة، وذكرت المصادر، أنه لا يزال 30 شهيداً مجهولي الهوية في ثلاجة الموتى في مجمع ناصر الطبي، لم يتم التمكن من دفنهم، بينما الأهالي اضطروا إلى دفن 150 شهيداً في ساحة المجمع نتيجة حصار الاحتلال له.
– الأمريكي المتجه إلى التقسيم!
الرعونة الأمريكية في المنطقة لم تؤدِ غرضها، وبالتالي لم تتمكن من تحويل الأنظار عن الأزمة الداخلية التي تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام مع قرب السباق الانتخابي واحتدام الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين، إذ أعلنت ولاية تكساس الأمريكية، نيتها الانفصال عن الولايات المتحدة، بسبب رفضها قراراً من المحكمة العليا، وذلك على لسان حاكم الولاية الجمهوري غريغ أبوت الذي أعلن رفضه الامتثال لقرار المحكمة العليا الأمريكية بإزالة الأسلاك الشائكة التي وضعتها تكساس على حدودها مع المكسيك، لمنع المهاجرين غير الشرعيين من الدخول إلى الولاية، وكانت إدارة بايدن قد وضعت مهلة زمنية تنتهي اليوم لولاية تكساس للامتثال وإزالة الأسلاك الشائكة.. يأتي هذا المشهد في ظل الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين وتضارب الصلاحيات بين الولاية والدولة الفيدرالية، ما يُنبئ بسباق انتخابي محتدم، ولاسيما أن الجمهوريين يستخدمون قضية الهجرة كسلاح ضد خصومهم الديمقراطيين.
ومع تصاعد الأزمة وإرسال الولايات الجمهورية وحدات من الحرس الوطني إلى تكساس، يصبح الأمر أكثر تعقيداً، كما يرى مراقبون، وتم طرح تساؤلات حول إمكانية انفراط عقد الولايات المتحدة خاصة بعد مساندة قوية للكثير من الولايات لتكساس في مواجهة الحكومة الفيدرالية، ما يشكل هاجساً لإدارة بايدن.
الأميركي المأزوم داخلياً بانتخابات حامية وبملف تكساس الذي تزداد تطوراته خطورة لا يمنعه أي شيء من الاستمرار في تقديم الدعم المباشر وبكل أنواعه للكيان الإسرائيلي وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني
وتعد ولاية تكساس من أهم الولايات الأمريكية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، حيث تمثل 9% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، كما أنها مركز إنتاج النفط الأمريكي. حيث تحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد روسيا الاتحادية و السعودية، ولو كانت تكساس دولة مستقلة، لكان ناتجها المحلي الإجمالي 1.8 تريليون دولار، وسيكون الاقتصاد الثاني عشر عالمياً، كما تمتلك الولاية المرافق الرئيسية لإنتاج الصواريخ الحديثة «Starbase SpaceX».
على أي حال ما يهمنا مما سبق، هو مدى انعكاس ذلك على دعم الولايات المتحدة على الكيان الصهيوني، وبالتالي عدوانه على قطاع غزة؟، ولاسيما أن واشنطن تحتاج للتفرغ لأزمتها الداخلية في ظل انتخابات ستكون نوعية وغير مسبوقة ربما بعد نية تكساس الانفصال.