لم يحظ مسلسل “الحارس الشخصي” بالنقد الكاشف لمحتواه المميز رغم أنه نال الترويج والدعاية الكافيين الأمر الذي يكشف مدى جاذبيته الفنية ونجاحه الجماهيري.. لم يحظ المسلسل بالنقد المفند والشارح رغم أنه شكل تجربة فنية، كي لا نقول “درساً” في تقديم الدراما التلفزيونية، لرؤية سياسية تاريخية، تحليلية عميقة، عبر صراع درامي جذاب ومشوق ومؤثر ومحفز على التفكير وملهم..
يكشف المسلسل حقيقة الشراكة العميقة بين الإرهاب والمافيا والطبقة السياسية الحاكمة. وقصة المسلسل التي كتبها جيد ميركوري يمكن قراءتها من عدة زوايا؛ أهم زاوية أن جنديين عائدين من أفغانستان يحملان معهما صدمة الحرب القذرة التي خاضوها، أحدهما (ديفيد بود) الذي يعمل كحارس شخصي لوزيرة الداخلية البريطانية، والآخر ينخرط مع المافيا المتحالفة مع الإرهاب للانتقام من الحكومة البريطانية وللتنفيس عن عقدة الحرب وآلامها.
جنديان أحدهما يحرس الحكومة والآخر يريد الانتقام منها، هذه زاوية، لكن الزاوية الأساسية في القصة المتخيلة أن وزيرة الداخلية يتم اغتيالها بتفجير له ملامح العمل الإرهابي. لكن الحارس الذي أحب الوزيرة، والذي كاد يموت معها، يلاحق خيوط القضية فيكشف صراع الأجهزة الأمنية مع بعضها على السلطة، كما يلمس مدى صراع السياسيين في الحكومة على المناصب.. وأخيراً يكتشف ارتباط المافيا بقيادة الأمن وشراكتهما مع الإرهاب؛ هذه الشراكة التي لا تتوانى عن التفجير والاغتيال، ولا تقصّر حتى في اغتيال وزيرة الداخلية، وتحميل الإرهاب “المبني للمجهول” المسؤولية كلها، مع أنه إرهاب مدار من نفس الحكومة وشريك لها، والأمن والشعب هما الضحية الحقيقية..
أهم معاني المسلسل نتلمسه بمدى تأثر الحارس بخطاب لوزيرته (جوليا) تقول فيه: “إننا ذهبنا إلى الحرب في أفغانستان دفاعاً عن أسلوب حياتنا.. لذلك لا يجوز أن نعتذر أبداً عن هذه الحرب”.. وعندما يسألها ديفيد: هل عنيت ما قلته حول عدم الاعتذار؟ وبعد تفكير، تجيبه الوزيرة: “نحن نعمل في السياسة، لذلك نقول ما يجب أن نقوله، وليس ما نؤمن به..”، السياسة تشوه الحقائق، وتغطي التحالفات، وتزور الوقائع..
المسلسل اعتمد على نجم مسلسل “صراع العروش” ريتشارد مادن الذي قدم أداء حساساً للشخصية المصدومة من الحرب المجانية العدوانية في أفغانستان. والمصعوق من فساد حكومته وتحالفها مع الإرهاب.
وأدت الممثلة البريطانية كيلي هاريس شخصية الوزيرة جوليا.. والرواية المتقنة والشخصيات المعبرة، قدمت محتوى عالي القيمة وجريئاً ودقيقاً، إنه درس في كيفية نقل الدراما التلفزيونية، لتكون بحق رواية تلفزيونية عميقة وجذابة ومعبرة، ودقيقة التحليل، وشجاعة الطرح، والأهم كان المسلسل نموذجاً لكيف تكون الدراما ملهمة ومحفزة على التفكير..