الفنان الراحل وضاح إسماعيل… صوتٌ رخيمٌ عادَ إلى السماء!

دمشق- جواد ديوب:
صاحبُ صوتٍ عذبٍ ومتمكن في أداء “القرارات” الغنائية الخفيضةِ وفي “الجوابات” العالية الصادحة، لحّن وغنّى وعزف العديد من الأغنيات منها: “وين أصوات الناس” و”يا جولان حروف المجد”، وأبدع في غناء شارة مسلسل “المحكوم” من ألحان الفنان السوري نعيم حمدي، يشهدُ له كل من عرفه بأخلاقياته المهنية العالية وكاريزما حضوره المميز. الفنان وضاح إسماعيل (ابن الجولان السوري) غادرنا مؤخراً مع مَن غادرونا من مبدعين سوريين، كأنما ليؤكدوا لنا الحقيقة الأبدية: إن الإنسان كائنٌ زائلٌ، فيما تبقى منه إبداعاتُه وذكراه وأحاديثُ المحبين!

صديق البدايات
المايسترو نزيه أسعد خصّ “تشرين” بكلامِ محب، فقال:
“الراحل وضاح إسماعيل هو صديق الشباب، صديق البدايات وحتى رحيله. خلوقٌ وذكي، يعرف كيف يتعامل مع الآخرين بحرص وصدق، سواء في التعامل الشخصي أو في المهنة الموسيقية والمشاريع المشتركة، وهو عازفُ عودٍ بارعٌ جداً، تمكّن من ذلك بالتعب والجهد والدأب، بالإضافة إلى طبقات صوته الرخيمة والعالية المتمكنة بكونه أيضاً ملحناً ذكياً يعلم جيداً كيف يتعامل مع الجمل الموسيقية التي يغنيها بصوته الرخيم.
اجتمعنا منذ سنوات طويلة -يكمل الأسعد- من خلال جلسات موسيقية وبرامج إذاعية موسيقية، فقد كان معاون رئيس دائرة الموسيقا في الإذاعة والتلفزيون، ويعمل مهندساً للصوت، كان “مِكساجاً/عامل مكساج” رائعاً، يتعامل مع ما أقدمه له من أصوات وخطوط لحنية وأصوات كورال ببراعة وإخلاص واحترافية كما لو أنها مشروعه الشخصي، وقد سجلنا معاً أعمالاً تراثية وموسيقية و”أوبريتات” بقيت في أرشيف الإذاعة. هذا على الصعيد العملي، بينما على الصعيد الشخصي كانت بيننا حوارات عن هموم مشتركة لتطوير الموسيقا السورية بشكل خاص والعربية بشكل عام.

الحاضر الغائب
الباحث عبد الرحمن الحلبي يؤكد بدوره ما حدثنا به الأسعد عن براعة الراحل في العود فيقول:
“المطرب وضاح إسماعيل تألق في كل ما قدم من أغانٍ وأبدع أيضاً في التلحين، وقد لمست ذلك عن قرب عندما لحن عدة أغان من كلماتي لم تحظَ بالانتشار لأنها كانت أناشيد مخصصة لطلاب مدرسة الإسعاف الخيري، ولن ننسى أنه كان عازفاً بارعاً على آلة العود. أذكر موقفاً له في سهرة إذاعية جمعته مع عدد من نجوم الفن السوري وكان من بينهم المطرب والملحن الراحل سمير حلمي، يومها قدّما معاً أغاني جميلة متنوعة، وأعجب الراحلُ حلمي بوضّاح إسماعيل، وقال له: ريشةُ عودك في العزف تشبه عزفي تماماً كأني أسمعُ ذاتي، سأترك العزفَ لك في هذه السهرة من شدة إعجابي بك!”
ويضيف الحلبي: “رحم الله الفنان الأصيل وضاح إسماعيل الذي لم ينل الشهرةَ التي يستحقها، حاله في ذلك حال الكثير من مطربي جيله، وهذا ربما من الأسباب التي أجبرته على مغادرة الوطن إلى بلاد المغترب بحثاً عن لقمة العيش والظروف الأفضل. وكانت للراحل نبرةٌ مميزةٌ في صوته عندما يتكلم كأنه يغني، وعندما تستمع لحديثه حتى لو لم تره فإنك تعرف مباشرة أن المتكلم هو وضاح إسماعيل! الغائب الحاضر في وجدان كل من عرفه عن قرب.”

فيما يحدثنا الموسيقي كمال حميد صاحب ألحان أغنيات مسلسل “خان الحرير” ويقول:
“تعود معرفتي بالراحل إلى أيام مهرجان الأغنية السورية السنوي في حلب، وتعمقت إلى صداقة واحترام متبادلين مع توافقٍ كبير فيما يتعلق بآلام وآمال الفن والفنانين في سورية. الراحل وضاح إسماعيل يمتلك صوتاً جميلاً ذا مساحة ممتازة، فنان حساس ومثقف يعرف تماماً إمكانيات صوته وما يناسبه، له رؤية خاصة في الغناء ودورِه وأهميته في تثقيف وإمتاع الجمهور. كان مُقلّاً في الأغاني وخصوصاً في الفترة الأخيرة، ويعود ذلك برأيي لأسباب أهمها: ما تعاني منه الساحة الفنية في سورية والوطن العربي من حالة تفاهة مقصودة لترويج المطربين السطحيين على حساب الفنانين الجيدين والملتزمين، وانخفاض إمكانية المنافسة الشريفة بمنح فرص الظهور الكافية والمنصفة على وسائل الإعلام. الراحل العزيز وضاح مغنٍ ممتاز لم يُنصفه زمانُه. لروحه السلام.”

تغيّر مفهوم الميديا!
ننقل سؤالنا من جديد للمايسترو نزيه أسعد حول الرأي القائل بعدم انتشار الراحل وضاح إسماعيل أو شبه غيابه موسيقياً عن الساحة الفنية، فيشرح لنا ذلك من وجهة نظر العارف بأحوال الفن الغنائي والموسيقي السوري، ويقول:
“رغم شهرته في التسعينيات عبر فوزه بالمرتبة الأولى في برنامج “طريق النجوم” الشهير آنذاك، إلا أن قلة ظهوره للناس أو عدم انتشاره الواسع على الصعيد العربي ربما سببه أنه أتى كمخضرمٍ بين مرحلتين زمنيتين: نهاية التسعينيات الجميلة وبدايات الألفية الثانية المصطنعة، حيث تغيرت الصيغة العامة للتذوق الموسيقي عند الناس مع دخول الموبايلات والتكنولوجيا التي غيرت مفهوم الميديا/الإعلام عموماً والتذوق الموسيقي وآلياته عند الجمهور بشكل خاص! فكان ذلك سبباً غير مباشر، لكن برأيي إن السبب المباشر هو موضوع التسويق وإنتاج الأغنية

السورية، فقد أنتج الراحل وضاح على حسابه الخاص عدة أغان في استوديوهات مصر وسورية، عرفتها أوساطُ المهتمين بالموسيقا الجادة أو الموسيقا التي تحمل هوية سورية، لكن التسويق كان ضعيفاً عبر الإذاعات، ولم تتبنها للأسف أي جهة لتعمل على نشرها وترسيخها عبر تكرارها، وهناك أيضاً انشغالُه الدائم في تقديم حفلات عبر عروض خاصة كانت تطلبه بشكل شخصي لعذوبة غنائه وصوته وبراعته في العزف.”

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار