انتخابات على طريقة (البوب)!!
لابد أن ما قاله تشرتشل عن ديمقراطية الانتخابات أصبح قديما. فهي لم تعد (أفضل السيئات) ولو عاد تشرشل هذه الأيام. لقال بوضوح أن هذه الديمقراطية باتت (غارقة في السيئات). خاصة وأنها تهدد وحدة ومصير دولة عظمى مثل أميركا. ألم يقل بايدن أن الانتخابات الجارية (مصيرية لمستقبل أميركا). خاصة وأنها انتخاباتها التي تتغطى بالديمقراطية صارت تجري ت على طريقة ثقافة (البوب). حيث الأضواء مبهرة. والألوان وقحة. وحيث الضجيج المضلل. والاحتفال المبالغ فيه. وأسلوب البوب الذي كان واضحا في تفاصيل المؤتمر الديمقراطي الذي عقده الحزب الديمقراطي الأمريكي في شيكاغو الأسبوع الماضي لاختيار مرشحه للرئاسة. هو نفسه أسلوب المؤتمر الجمهوري الذي عقده الحزب الجمهوري المنافس قبل أسابيع.
من يدقق بمكان المؤتمر الديمقراطي (وقبله الجمهوري) يجد بمواجهته مباشرة المبالغة المقصودة بالفخامة. واللوحات الكبيرة. والشاشات العملاقة. والألوان المؤثرة. والمناسبة للصورة التلفزيونية التي تزيد المبالغة بالفخامة والضخامة والعملقة للتعبير عن القوة والسطوة. من يدقق بهذه التفاصيل لابد أن يجد أنها مأخوذة من الأسلوب الذي ابتكره المهندس الألماني النازي (ألبرت سبير). والذي أعتمده ونفذه في مؤتمر الرايخ في الثلاثينات من القرن الماضي. حيث رفع على جانبي المنصة الرئيسية مجسمين عملاقين للنسر الألماني. ونشر على محيط الاستاد المعتمد كمكان للاحتفال الأعلام النازية الطولية التي تمتد عاليا إلى السماء. وجعل من الاستاد الكبير بعد تعديله وتكبيره مسرحا لهذه الفخامة والمبالغة للتعبير عن السطوة والقوه النازية. كل ذلك نجد ما يمثله في مؤتمري الحزبين الديمقراطي والجمهوري الانتخابيين. مع إضافات أميركية بنفس الاتجاه نحو المالغة والفخامة.
إذا كان مصدر المبالغة في المكان والفخامة وعرض القوة مأخوذ من المهندس الأول لهتلر ألبرت سبير. والذي أصبح أقرب مستشار للفوهرر بسبب هذا الإنجاز في استعراض وإظهار عظمة وقوة الرايخ وقتها. إذا كان مصدر المبالغة سبير فإن الخبراء الأميركيين المعاصرين ادخلوا إلى هذه المبالغة مبالغات أكبر استخدامهم وسائل وعناصر ثقافة البوب. من الألوان الساطعة. إلى الأضواء المتلألئة. إلى الموسيقى والغناء الرائج. وإلى حشد كل ما يخلق الصورة التلفزيونية القاهرة. كل ذلك بهدف زرع إحساس الفخر بالمؤيدين. وجذب غرائز المترددين. وتشكيك الرافضين بموقفهم الرافض. هذه بالضبط لعبة الانتخابات الأمريكية الجارية. والقائمة على اعتماد أسلوبية ثقافة البوب.
رغم أن هيلاري كلينتون عندما ترشحت في نفس المؤتمر الديمقراطي للعام 2016. طرحت 200 قضية سياسية. إلا أن كمالا هاريس هذا العام لم تطرح أي قضية سياسية في المؤتمر. بل اتجهت إلى طرح شعارات شعبية فضفاضة مثل (من أجل الشعب). وهذا ما يجعل المؤتمر يستغرق أكثر في ثقافة البوب الشعبوية السطحية. بعيدا عن الطروحات والرؤى السياسية. ما يزيد من عيوب هذه الديمقراطية المضللة. التي تحاول أن تجذب الناخبين بالأضواء والألوان المبهرة وبضجيج هائج لتلهي الناخب عن السياسة والقضايا السياسية الحساسة والمتعلقة بحاضره ومستقبله.
رغم سيطرة ثقافة البوب الشعبوية السطحية المضللة على المؤتمر الديمقراطي. إلا أن رموز الحزب الديمقراطي من بيل كلينتون إلى هيلاري. إلى أوباما وميشيل. إلى بايدن إلى بيرني ساندرز. لم يستطيعوا إلا أن يرفعوا الصوت عاليا. محذرين مما يهدد المجتمع الأمريكي من الانقسام والعنصرية. واللا يقين المجتمعي. وعدم المساواة وفقدان الثقة. والمخدرات واليأس. ويسجل للمؤتمر رغم كل مبالغات ثقافة البوب. يسجل له الاعتراف بحال المجتمع الأمريكي. التي أنتجتها سياسات الإدارات الحاكمة المتلاحقة. ويسجل لهم إقرارهم بضرورة معالجة هذه العيوب بشكل سريع. قبل أن تتفاقم السموم في الأداء السياسي الأميركي المهدد والخطير على الدولة الأميركية. وهنا تحضر عبارة فرانكلين روزفلت. عندما وصف النظام الأمريكي بقوله إنه (جمهورية إذا كان بوسعكم الاحتفاظ بها). فهل ستنتج الانتخابات الأمريكية من وما يمكنه الاحتفاظ بهذه الجمهورية وحمايتها من السموم المتراكمة في أليات سياساتها؟؟؟