مجالسُ حكماءٍ «صارَ وقتها»‏

لا رجعةَ للوراءِ ولا بقاءَ في المكان، وممنوعٌ الإخفاقُ والفشلُ أمامَ الاستحقاقاتِ ‏المصيريةِ.. لعلنا اليوم في سورية نقفُ وجاهياً أمام هذا الطراز الصعبِ من ‏الاستحقاقات، على مختلف المستويات، بما أننا نتصدى لمهامَ تنطوي تحت عنوان ‌‏«إعادة بناء دولة».. دولةٌ بكل مؤسساتها و مفرداتها في إطار مرنٍ ورحبٍ، تنتفي ‏فيه أوهامُ التكلّس و«التابوهات» المتوضعة عرفاً بإملاءات التقادم.‏

بكل مافي الوضوح من وضوح، رسمَ رئيسُ البلادِ مجدداً خارطة طريق «إصلاح ‏سورية» بعباراتٍ بالغةِ التكثيف والدلالات، بل توجيهٌ رفيعُ المستوى، وقرارٌ قاطعٌ ‏يكتسب قطعيتهُ من ملامسته لإرادة الأكثريةِ في هذا البلد، ممن طالما تطلعوا إلى آفاقَ ‏جديدةٍ تستحقها سورية والسوريون. ‏

خارطة طريقٍ ولائحةُ مهام.. لا نخفي- رغم شغفنا بها – أن كمّاً من الهواجس اعترانا ‏كما اعترى كثيرين مثلنا من حساسية الموقف وإلحاح الاستجابة له كاستحقاقٍ واقعيٍّ.‏

كيف سنبدأ بتظهيرِ «دستور» التعاطي مع المستقبل، ومن سيتولّى هذه المهمة؟

هل هي المؤسسةُ التشريعيةُ التي تقف أمام تحدي تصحيح قوامها، أم المؤسسة التنفيذية ‏التي لايجوز أن تنفردَ بخط مفردات الأفق الجديد وتفصيلها على قياسات أقل من ‏استراتيجية؟

لا بد إذاً من «فُرق حكماء» ومجالس خبراء مركزية وقطاعية رديفة للمؤسستين ‏التشريعية والتنفيذية، تتولّى بلورة الرؤى العميقة فنياً، ليأتي دور الحكومة ثم مجلس ‏الشعب، للنقاش والتداول ومن ثم القرار وبعده الشروع بالتنفيذ.‏

هؤلاء «الحكماء والخبراء» ليسوا بالضرورة أعضاء في مجلس الشعب ولا في ‏الحكومة، ولا يجوز أن يكونوا من أولئك «الكلمنجية» الذين يكثرون من التنظير ‏ويتناقضون مع أنفسهم كذا مرّة على وسائل التواصل في اليوم الواحد، ويبدلون ‏آراءهم كما ثيابهم مع تبدلات الطقس.

العقلاءُ والخبراءُ بكل تأكيدٍ لا يخفون أنفسهم على من يبحث عنهم، منهم من خَبروا ‏العمل التنفيذي واكتسبوا مهاراتٍ عاليةً، وتحرروا من «صلف» المنصب ولديهم بعدٌ ثالثٌ في الرأي.. ومنهم أكاديميون نأوا بأنفسهم عن جلبة الاستعراض وتراجعوا خطوة ‌‏- لاخطوات – إلى الوراء أمام زخم السباق نحو الواجهة.. ومنهم رجالُ أعمالٍ تمسكوا ‏بانتمائهم الوطني أكثر من الانتماء إلى خزانات الاكتناز.. والسلسلة تطول ممن يمكن ‏أن يكون لديهم مايقولونه بكل مسؤولية.‏

الآن قد يكون علينا أن نؤسس لمجالس استشاريةٍ متخصصةٍ، تكون ظهيراً خلفياً ‏للوزارات ثم للحكومة «هيكلية منظمة».. ومثلها للجان مجلس الشعب.. مجالس ‏استشارية عميقة لا علاقة لها بالظهور ولا افتعال «التريندات الفيسبوكية».‏

على الأرجح هو خيارٌ لابد منه، لأن مهمة إعداد دساتير بناء المؤسسات وحسم ‏الملفات، تبدو حساسةً كما قلنا، أكثر ما فيها حساسيةً أنها ضرورةٌ واستحقاقٌ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار