«أبي ليس على بنك»
لفتني ردّها على زميلاتها في مدخل البناء الذي نقطن فيه : لا لن نشتري البوظة، فأبي ليس على بنك. جاء ذلك الردّ من تلميذة الصف التاسع التي كانت ورفيقاتها ينتظرن نزول قرينتهن من منزل الجيران بقصد الذهاب لأخذ جلسة دراسية خاصة قبيل التقدم لامتحان شهادة التعليم الأساسي، حيث عهدنا رؤيتهن بعد عصر كل يومين أو ثلاثة وهن يتجمعن لنفس الغاية، وعلى ما يبدو إنّ كثرة عددهن هو لتقاسم قيمة الجلسة فيما بينهن بعد أن أصبحت باهظة لا طاقة لتلميذة أو اثنتين على احتمالها في ظل الظروف المادية الصعبة لمعظم الأهل حالياً.
ما نود التوقف عنده هو رد الفتاة: “أبي ليس على بنك” والذي بدا جاداً، ولو أنها أطلقته بطريقة أقرب للدعابة، حيث ينمّ عن إحساس بعض الأبناء بأحوال الآباء الذين يذوقون الأمرّين في ظل ظروفنا الراهنة، حتى يتمكنوا من تأمين الحدّ الأدنى من متطلبات عيش أسرهم عالية التكاليف، والتي تبدأ ولا تنتهي.
والمهم التوقف عنده أيضاً في هذا المضمار، ظاهرة التفاوت فيما بين التلاميذ والطلاب لجهة المصروف، حيث يلاحظ أن معظم أبناء العائلات الميسورة يأتون إلى المدارس وبحوزتهم مبالغ ليست بقليلة ، وهم في كل فرصة يشترون كل ما يحلو ويطيب لهم، فيما الأغلبية الأخرى من أبناء الأسر الفقيرة قد يكونون بلا أي مصروف أو بالكاد لديهم ما يشتري قطعة بسكويت أو كيس “شيبس” من الأنواع الأدنى سعراً.
إن تحلّي الأبناء بالقناعة والرضا بالمتاح تقديراً منهم لظروف الآباء المادية المتردية والخارجة عن إرادتهم، يعد حالة إيجابية جداً، وهذه الحالة لا تأتي من فراغ بل نابعة من تفاهم وتناغم أسري، وتتعزّز بأسلوب تربية سليم وتوعية رشيد يجيد أداءه الآباء والأمهات، لكن بالمقابل على أرباب الأسرّ المقتدرة مراعاة ظروف ضنك العيش السائدة في محيطهم، وعدم البذخ في إعطاء المصروف المدرسي لأبنائهم، لكيلا يكونوا مثار حنق وامتعاض أو مبعث بؤس لدى أبناء الفقراء.