أن يربط جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي، الهجوم الإسرائيلي على رفح بـ«حق» الكيان الإسرائيلي بملاحقة «عناصر حماس» في رفح، فهذا يعني أن الولايات المتحدة موافقة أصلاً وفصلاً على اجتياح رفح، ولا يهم هنا ما تعلنه من «تحفظات» ومن «طرق أفضل» للتعامل مع حماس. وإذا كان الكيان لم ينفذ حتى الآن هجوماً شاملاً على رفح إلا أنه يشن هجوماً يتوسع بمستويات إرهاب لا تقلّ وحشية عن العدوان الذي يشنه على قطاع غزة منذ حوالى ثمانية أشهر.. والأهم بالنسبة لأميركا أن يراعي الهجوم مسار «التفاهمات» التي تسعى إليها مع دول في المنطقة، ليس على مستوى «اليوم التالي» فقط وإنما على مستوى «سلة أهداف» أميركية للمرحلة المقبلة.
من هنا فإن العدوان على غزة لن ينتهي، أو أن أميركا ستعمل على تمديده للفترة التي يقتضيها الوصول إلى هذه التفاهمات، ومن ضمن ذلك الهجوم على رفح الذي تستخدمه سيفاً ذا حدين للتخويف من تداعياته بزعم أنها لا تستطيع منع الكيان من استخدام «حقه» آنف الذكر، ومن توسيع الهجوم باتجاه الحدود المصرية إذا ما اقتضت الحاجة الإسرائيلية، وبكل ما يعنيه ذلك من توسيع حالة عدم الاستقرار باعتبار ذلك بمنزلة إسقاط لأهم بنود «كامب ديفيد» وعلى قاعدة أن لا مصلحة لدول المنطقة «المستقرة» باتساع حالة عدم الاستقرار أو باستمرارها.. هذا من جهة.
.. ومن جهة ثانية، فإن الولايات المتحدة، وكلما طال أمد الحرب، كانت أكثر استعداداً وتحضيراً لاحتمال اندلاع حرب موسعة، وهي عملياً تعمل على كلا المسارين، التهدئة والتفاهمات، وفي الوقت نفسه التحضير ميدانياً على قاعدة أن الحرب الموسعة قد تقع حتى لو لم يكن أحد يريدها بفعل تطور ما يُخرج الأمور عن الضبط والسيطرة، وعلى مبدأ عملية طوفان الأقصى التي ما زالت تضع المنطقة على فوهة حرب كبرى.
وهناك احتمال بأن يكون التحضير الميداني من ضمن خطة «اليوم التالي» لفرضها في المرحلة المقبلة، وهنا فإن الأنظار تتجه إلى الميناء العائم الذي أقامته أميركا في غزة والأهداف من خلفه، والتي ليس من ضمنها الأهداف الإنسانية، فعندما يكون الحديث عن أميركا ومخططاتها ومصالحها لا يمكن الحديث عن أهداف إنسانية.
بكل الأحوال، لا يبدو أن الطريق مُمهد بصورة كلية أمام واشنطن، أولاً لأن أوراق المنطقة لم تعد بيدها بنسبة الـ99% الشهيرة، وثانياً لأن من كانوا محسوبين ضمن حلفائها في المنطقة، لم يعودوا مؤثرين بالصورة التي تريدها، هذا عدا أن هؤلاء الحلفاء لم يعودوا حلفاء بالمعنى الدقيق للكلمة، حيث باتت لديهم أولويات متقدمة سواء داخلياً أو على مستوى العلاقات الدولية، أو حتى على مستوى نوعية العلاقة المطلوبة مع الولايات المتحدة، وكيف يمكن إدراجها أو استغلالها ضمن تلك الأولويات المتقدمة.
لكن الولايات المتحدة لا تيأس، وجعبتها لم تفرغ بعد، فما زال هناك ما يمكن التفاوض عليه مع دول المنطقة، وما زالت هناك مساحة للمناورة والالتفاف ولمغريات وامتيازات يمكن تقديمها.
هناك من يقول إن أميركا قطعت شوطاً مهماً واقتربت من الوصول إلى التفاهمات التي تريدها والتي قد يتم الإعلان عنها قريباً، وفي التصريحات الأميركية خلال الأيام الماضية ما يشي بذلك، لكن ما يتم تداوله في إطار مضمون هذه التفاهمات لا يدفع باتجاه الاعتقاد بذلك، وإذا ما عدنا إلى مسألة «الأولويات المتقدمة» وإلى مسألة موازين القوى ومسار الردع الذي فرضته المقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد فإن أميركا أبعد ما يكون عن الوصول إلى هذه التفاهمات.
مع ذلك لا يمكن التنبؤ والتوقع، ففي جبهة غزة تحديداً لا يمكن الحديث عن مقدمات ونتائج، حتى الآن ومنذ 7 تشرين الأول الماضي، المقدمات شيء والنتائج شيء آخر، وبما يبقى كل السيناريوهات قائمة.
مها سلطان
57 المشاركات