حلب.. وألف ليلة وليلة
تشرين- وصال سلوم:
كتاب (ألف ليلة وليلة) استثمره المستشرقون أيضاً حتى قيل فيهم بأنهم أصحاب الفضل الأكبر في اكتشافه ونشره، الكتاب الذي ذاع صيته واحتل المكانة الأدبية الأهم في الغرب والشرق، ومنه كانت الواقعية السحرية التربة الأولى لنشوء الرواية الأوربية التي ارتكز عليها الأديب غابريل ماركيز والأديب العربي نجيب محفوظ.
فماهي حقيقة التفرد الغربي لانتشار كتاب ألف ليلة وليلة، ومن هو “حنا دياب” السوري الأصل حلبي التولد، وتأثيره على مؤلفات الكتاب الذي سحر أوروبا وترك جلّ الأثر على ثقافتها ومثقفيها وعموم شعوبها؟؟
(ألف ليلة وليلة) مبنية في الروايات والحكايات على شخصيتين أساسيتين هما الملك شهريار وزوجته شهرزاد التي تزوجها بعد أن قضى على أغلب صبايا مملكته واللواتي كان يعدمهن السياف منصور مع بزوغ الصباح، ماعدا شهرزاد التي استطاعت بدهائها وحنكتها وحكاياها للملك التي لم تنتهِ، من إنقاذها من حكم السياف..
هذا هو الإطار العام للكتاب فيما مضمونه حكايا كثيرة تمّ جمعها وتحريفها وإضافة العديد من القصص لنسختها الأصلية ويقال إن السبب وراء ذلك كان لمستشرق فرنسي يدعى (أنطوان غالان) الذي كان يعمل في القنصلية الفرنسية في إسطنبول، وامتهن جمع مخطوطات عن الكنائس الشرقية، وأي مخطوطات كاملة، وكان يقوم بنقلها لقصر الملك لويس شرط أن تكون تلك المخطوطات مخطوطات كاملة، إلى أن وقعت تحت يديه مخطوط ألف ليلة وليلة وكانت مايقارب ٢٨٢ حكاية أي أنها غير مكتملة، لذلك اشتراها من حسابه الخاص وترجمها وبدأ بنشرها عام ١٧٠٤..
حكايا سحرت فرنسا بعوالمها الغريبة وطريقة سردها الاستثنائية، وصار الشارع الفرنسي يطلب المزيد، وينتظر ألف حكاية وحكاية من ألف ليلة، إلّا أن حكايا المخطوط لدى غالان لم تحقق إلّا الثمن من الحكايا الألف، لذلك ما كان منه إلّا ان استعان بصديقه (لوكاس) الذي عرّفه على شاب سوري اسمه (حنا دياب الماروني) ليكون مخزون دياب الثقافي من قهاوي حلب وقصص الحكّائين فيها ورحلاته مع بول لوكاس بمثابة المصباح السحري لغالان الذي خط حكايا حنا دياب الماروني وأضافها لليالي الألف ليلة وليلة لتكون قصصه مثل علاء الدين والمصباح السحري، وعلي بابا والأربعين حرامي التي باتت من أشهر حكايا ألف ليلة وليلة هي حكايا مروية بلسان سوري الأصل وهو الحكّاء بالفطرة ويجيد التحدث بأكثر من لغة إضافة للغته الأم السورية.
فرنسا سحرت بمنشورات غالان الذي نقل لهم الشرق من خلال الحكايا ومن خلال الترجمات لا من خلال المخطوطات لأن غالان راعى عقل الشارع الفرنسي وميوله، فحذف القصص الجنسية منها، لأن أوروبا يومها لم تكن جاهزة لقبول هذا المقدار من التحرر، وغيّر في النهايات، وبطلات حكايا ألف ليلة وليلة في ترجماته لم يتزوجن من الأمراء والملوك، لأن فرنسا ملكية وهكذا زيجات لم تكن مقبولة اجتماعياً، يعني استعمار أدبي بكل ماتعنيه كلمة استعمار، وتأكيداً على دور الاستشراق في تلك المرحلة، حيث كان الهدف الرئيس وحسب تعريف الباحث والأديب الفلسطيني إدوارد سعيد:”رؤية نظمها الإنكليز بعد احتلال الهند كي يحمس جمهوره وشعبه لفكرة الاحتلال بخلق حالة فضول وهوس بشعوب غريبة عنهم..”
وحرصت انكلترا على تصدير الشرق بصورة همجية عدوانية شهوانية متخلفة، وكان من الأفضل لهم إنسانياً حسب روايات مستشرقيهم احتلال أوطانهم، طبعاً كان يوجد نوع ثان للاستشراق مبني على الانبهار بحضارة وأصالة الشرق وهذا النوع سبق الاستشراق الاستعماري، وكان زمن العصر الباروكي لذلك سمي بـ” الاستشراق الباروكي.”
وألف ليلة وليلة لم تكن خالصة لغالان ونسخته التي وجدها في تركيا مع إضافات حنا الماروني، إلّا أن لألف ليلة وليلة نسخة فارسية من أصل هندي تحوي ثلاثة أنواع من الحكايا، حكايا حكم ومواعظ على لسان حيوانات مثل كليلة ودمنة، وحكايا من بغداد أيام هارون الرشيد، وحكايا مصرية.
وفي القرن الخامس عشر تقريباً، ظهرت نسخة من ألف ليلة وليلة مكتوبة في مصر جمعت الحكايا الفارسية والعراقية والشامية بقلم مصري الهوى، يعني كتاب ألف ليلة وليلة طاف البلدان الشرقية، وفي كل بلد كان يتم إضافة حكايا جديدة إليه من الموروث الشعبي في تلك البلدان، فكانت بحق وعاء حضارياً لا يمثل دولة معينة ولا مؤلفاً بعينه، بل كانت وعاء مرناً استطاع احتواء كل ما هو موروث شعبي وتقديمه بحلة أسطورية يجوز فيها التحريف وتهذيب النصوص، لكن لا يجوز أبداً، التنكر لحنا دياب الماروني الذي ساهم في تحقيق كتاب بحجم ألف ليلة وليلة.