خدعة «الامتناع» الأميركي التي أبطلت قرار وقف إطلاق النار في غزة.. الكيان الإسرائيلي ينتظر عودة غالانت واكتمال «البدائل» للهجوم على رفح
تشرين – مها سلطان:
يومان ما بعد قرار مجلس الأمن الدولي الذي يطالب «بوقف إطلاق نار فوري ومستدام» في قطاع غزة.. القرار كأنه لم يصدر، إذ لا مفاعيل له على الأرض، حيث يواصل الكيان الإسرائيلي عدوانه الوحشي من دون توقف، ومن دون التخلي عن خططه لمهاجمة رفح على أن يتم ذلك ما بعد عيد الفطر حسب وسائل إعلام إسرائيلية.
هذه النتيجة كانت متوقعة، إذ إن الامتناع الأميركي عن التصويت لمصلحة القرار أبقى الباب مفتوحاً أمام الكيان للاستمرار في عدوانه، هذا عدا التصريحات الأميركية التي جاءت مباشرة بعد صدور القرار لتؤكد أن الامتناع ليس تغييراً في الموقف الأميركي، مشيرة على أن القرار «ليس ملزماً ولكن يحب تنفيذه» وفق ما صرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، موضحاً أن القرار حول وقف إطلاق النار في غزة لا يفرض أي التزامات إضافية على «إسرائيل».
المفارقة في قرار وقف إطلاق النار أن «الامتناع» الأميركي عن التصويت استقطب كل التركيز وبصورة طغت على القرار نفسه وعلى كيفية إلزام الكيان بتنفيذه
وعليه كان من المفهوم ومن المتوقع ألا تكون للقرار مفاعيل على الأرض.. على أن المفارقة المستمرة منذ صدور القرار يوم الإثنين الماضي هي أن «الامتناع» الأميركي استقطب كل التركيز، باعتباره سابقة، وبصورة طغت على القرار نفسه وعلى كيفية إلزام الكيان الإسرائيلي بتنفيذه، ولا تزال الأوساط الدولية (بما فيها الإسرائيلية) ومعها المحللون والمراقبون منشغلين بتفسير هذا الامتناع ومؤشراته ودلالاته وتبعاته وهل هو آني بمفاعيل وقتية أم له ما بعده؟ وهل إن الولايات المتحدة تتجه نحو تعديل علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، بمعنى رسم خطوط حمراء في العلاقة، أم إن هناك ما هو متفق عليه قبل وبعد ذلك الامتناع؟.. ولا ننسى هنا أن قرار مجلس الأمن صدر فيما يتوجد وزير الحرب الإسرائيلي في واشنطن حيث تتركز مباحثاته مع المسؤولين الأميركيين بصورة أساسية على ضمان استمرار تدفق الأسلحة للكيان وبما يضمن له الاستمرار في العدوان على قطاع غزة (حتى تحقيق كامل الأهداف) كما يقول مسؤولو الكيان.
– شرح «الامتناع» الأميركي
كثيرون رأوا أن مفاعيل «الامتناع» الأميركي، ستكون لها تداعيات خطرة على مسار العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، ما سيقود حتماً إلى إجبار الكيان على الالتزام بوقف إطلاق النار.. هذا في حال لم يتم احتواء خط التدهور المتسارع في العلاقات على خلفية الحرب على غزة وكيفية إدارتها وترتيبات «اليوم التالي» إلى جانب عدم مراعاة الكيان للوضع الحساس والخطر الذي باتت عليه الولايات المتحدة في المنطقة وبحيث إن أفعاله بمجملها تصب في غير مصلحتها، وهو ما استدعى تحركاً، فكان ذلك «الامتناع».
ورغم أنه كان متوقعاً إلا أن وقعه ما زال كبيراً، وحسب المؤشرات فإن الامتناع الأميركي لن يخرج من التداول، خصوصاً مع رد الفعل الإسرائيلي الغاضب والصاخب، حيث بدا الكيان كأنه خسر فجأة الغطاء الأميركي، ليصبح أكثر فأكثر عرضة لمسار دولي يتجاوز الإدانات والانتقادات إلى مستوى اتخاذ إجراءات مضادة في حال لم يتجه الكيان الإسرائيلي نحو الالتزام بوقف إطلاق النار في الأيام المقبلة. صحيح أن القرار الصادر عن مجلس الأمن لم يأخذ مفاعيله على الأرض، وصحيح أيضاً أن الولايات المتحدة لم تخرج لتطالب الكيان الالتزام به بصورة صريحة ومباشرة، لكن ذلك لا يعني أن ما بعد القرار سيكون كما قبله، وما علينا سوى الانتظار.
وكالة «بلومبرغ» الأميركية، رأت أن «الامتناع» هو كلمة دبلوماسية خادعة، وأن عدم استخدام الولايات المتحدة «الفيتو» في مجلس الأمن يوم الإثنين الماضي، قد «أدى عملياً إلى طي صفحة من التاريخ». وأشارت بلومبرغ إلى أن سماح واشنطن لمجلس الأمن الدولي بكبح جماح «إسرائيل» يشير إلى أن المزيد من اللوم سيتبع ذلك في المرحلة المقبلة.
وأكدت الوكالة الأميركية أنّ العلاقة بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» التي كانت لفترة طويلة من بين أقوى الروابط الثنائية في العالم، تستمر في التدهور إلى درجة لا يمكن التكهن بها.
صحيفة «بوليتيكو» الأميركية تطرقت إلى الرد الإسرائيلي على الامتناع الأميركي، المتمثل بإلغاء زيارة وفد من كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى واشنطن، والانسحاب من مفاوضات تبادل الأسرى، إلى جانب التصريحات المنتقدة.
وقالت «بوليتيكو»: إن ما قامت به إدارة الرئيس جو بايدن هو الإجراء الأكثر حدة الذي اتخذته واشنطن حتى الآن في الأمم المتحدة ضد حليفتها.
هل الامتناع الأميركي آني بمفاعيل وقتية أم له ما بعده.. وهل رسم خطوطاً حمراء في العلاقة مع الكيان أم إن هناك ما هو متفق عليه من قبل ومن بعد؟
ورأت الصحيفة الأميركية أن الامتناع الأميركي ليس أمراً غير مسبوق، لكنه يظل غير عادي.
وكانت صحيفة «إسرائيل هيوم» علّقت على الامتناع الأميركي بالقول: إن مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة لم تعد قوية، وأن الدعم المباشر جداً قد يكون مكلفاً.
– مباحثات غالانت في واشنطن
في الأثناء يواصل وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت زيارته إلى واشنطن التي بدأت يوم الأحد الماضي، من دون أن تظهر مؤشرات واضحة لنتائج مباحثاته، باستثناء التصريحات التي بدورها لا تقول الكثير، أو لنقل لا تأتي بجديد مختلف عما قيل ويقال منذ ما يقارب الستة أشهر ما بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي.
وكان غالانت قد التقى أمس وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، حيث تركزت المباحثات على مفاوضات الأسرى وما يسمى بدائل الهجوم على رفح. وفيما كرر أوستن الأكاذيب نفسها حول الحرص الأميركي على حياة الفلسطينيين وحمايتهم، جدد غالانت أن استعادة الأسرى تتطلب زيادة الضغط العسكري، أي الاستمرار في العدوان بما في ذلك رفح.
وحرص أوستن على تأكيد أن العلاقة الأمنية بين الكيان وأميركا «لا تتزعزع.. وهذا لن يتغير».
وكان الكيان قد عمد أمس إلى سحب وفده من مفاوضات الدوحة، معتبراً أن مسار التفاوض وصل إلى طريق مسدود، ملقياً بالمسؤولية على الجانب الفلسطيني الذي يقدم «مطالب وهمية» وفق تعبير متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو.
يشار هنا إلى أن واشنطن، وبالتزامن، نفت أن تكون المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، مؤكدة أنها مستمرة ولم تتأثر بقرار مجلس الأمن حول غزة. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر: إن البيان الصادر عن مكتب نتنياهو حول انهيار مفاوضات الدوحة، أو أن «حماس» رفضت المقترحات الأخيرة، أو أن الوفد الإسرائيلي انسحب من المفاوضات بعد قرار مجلس الأمن.. هذا البيان غير دقيق من جميع الوجوه تقريباً، وغير عادل تجاه الرهائن وعائلاتهم.
– بدائل الهجوم على رفح
يأتي ذلك فيما جددت واشنطن تحذير الكيان من الهجوم على رفح، الذي سيؤدي إلى عزلة أكبر له وسيبعد عنه شركاءه الدوليين الذين وقفوا إلى جانبه منذ فترة طويلة، ودعت واشنطن الكيان الإسرائيلي إلى التركيز على البدائل التي سبق وطرحتها إدارة بايدن، ويتم بحثها اليوم «وبمعزل عن نتنياهو» مع وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت خلال زيارته واشنطن.
ووفق مصادر أميركية فإن البدائل التي طرحها لويد أوستن وزير الدفاع الأميركي على غالانت، تتعلق بـ«تأمين الحدود بين مصر وغزة والاستهداف الدقيق لقادة حماس»، وسبق لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن ناقش خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة، الأسبوع الماضي، هذه البدائل، خصوصاً مع الجانب المصري، عارضاً خطة (حدودية) تقوم «على مجموعة من الإجراءات والأعمال الهندسية من تجريف وبناء مواقع وحفر خنادق وما إلى ذلك مما يضمن منع تهريب الأسلحة» إلى جانب تنفيذ عمليات «سريعة وخاطفة ومحدودة ومركزة ضد قادة حماس». وكان من المفترض أن تتم مناقشة الخطة بشكل مفصل مع الوفد الإسرائيلي الذي كان من المفترض أن يزور واشنطن اليوم الأربعاء، ملتحقاً بوفد غالانت، وذلك قبل أن يعلن نتنياهو إلغاء الزيارة بعد الامتناع الأميركي عن استخدام الفيتو ضد قرار مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
اختلاف أميركي- إسرائيلي حول مفاوضات «الطريق المسدود» وواشنطن توسع «بدائل» الهجوم على رفح.. وأمن الميناء الأميركي المؤقت بيد «إسرائيل»
وكانت مصادر إسرائيلية قد كشفت أمس أن الهجوم على رفح قد يبدأ بعد عيد الفطر على أن يستمر ما بين 4 إلى 8 أسابيع كحد أقصى، ويزعم الكيان بأن رفح هي آخر معاقل المقاومة الفلسطينية ولا بد من اقتحامها لتحقيق أهداف الحرب النهائية.
وفيما تستمر ترتيبات «اليوم التالي» معضلة مستعصية في القاموس الأميركي الإسرائيلي، كشف الكيان اليوم أن قطاع غزة ستحكمه «سلطات محلية بديلة». ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن غالانت بحث هذه المسألة مع المسؤولين الأميركيين، لكن من دون تقديم تفاصيل.
– جديد الميناء الأميركي
أما جديد الميناء المؤقت الذي تجهزه الولايات المتحدة على شواطئ غزة، فهو متعلق بالدور الأمني للكيان، حيث قال مسؤولون أميركيون إن الجيش الإسرائيلي سيتولى توفير الأمن للميناء الذي سيوجد فيه فريق من الأميركيين الذين سيعملون على تفريغ وتوزيع المساعدات الإنسانية. كما سيتولى تأمين المسافة ما بين الميناء حتى الشاطئ.
وحسب مصادر أميركية فإن خطة العمل الأمني والإنساني ما زالت قيد النقاش ولم تتم الموافقة عليها بعد، ومن الممكن أن تقدم دولة ثالثة المساعدة الأمنية، اعتماداً على المكان الذي سيقام فيه الميناء.