حلم «قسد» الأسود

تشرين- عبد المنعم علي عيسى:

نشر المدعو مظلوم عبدي، متزعم ميليشيا «قسد»، مقالاً في صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية في الثالث من كانون أول الجاري كان أهم ما فيه عنوانه الذي جاء على نحو لافت «نحن حلفاء أمريكا الأكثر إخلاصاً في سورية، لا تنسونا»، والعنوان لوحده كاف، من دون المرور على سطور المقال المليئة بالمغالطات، لكشف المنطق العميق الذي بات يحكم الخيارات الإستراتيجية لقيادة هذه الميليشيا التي ترتهن لمنظومة «جبال قنديل» التي تعمل على تحريك أتباعها في سورية والعراق وتركيا و إيران.
يثبت العنوان، وكذا السطور الطويلة التي اندرجت في سياقاته، أن ميليشيا «قسد» ومن وراءها نظيرتها في جبال قنديل قد قررت التحول إلى «وكيل إقليمي» للتحالف الغربي الأمريكي الذي ما انفك يعمل على إثارة الفوضى في المنطقة وصولاً إلى ترتيب أوضاعها بما يتماشى مع مصالحه، ولربما يمثل الفعل طبعة منقحة لشعار «الشرق الأوسط الجديد» الذي أطلقته كوندليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، غداة انطلاق العدوان الإسرائيلي على لبنان تموز 2006، فالشعار الذي سقط بفعل «الكسل الوظيفي» الذي عانى منه كيان الاحتلال خلال 33 يوماً لم يكن قادراً فيها على لعب دور «القابلة» التي سيلد على يديها ذلك «الشرق»، لا يبدو أنه غاب عن الذهنية الغربية وهو لا يزال حاضراً فيها، لكن مع تغير الأدوات المستخدمة الأمر الذي فرضته جملة من المعطيات.
هذا الانخراط «القسدي» الذي وصل حد الانصهار مع المشروع الأمريكي سوف يحيل المنظومة، أي منظومة «جبال قنديل»، برمتها إلى شوكة بين جنبات شعوب المنطقة لا بديل من انتزاعها أياً تكن الأثمان التي ستترتب على الفعل، ناهيك عن أنه سيضعها في مواجهة لن تكون مقتصرة على الشعب السوري بل تتعداها إلى الشعوب المجاورة التي تنظر إلى تلك السياسات على أنها من النوع الذي يهدد أمنها وكياناتها انطلاقاً من كونها حاملة لأجندات خارجية تتناقض بالضرورة مع أمن و مصالح تلك الشعوب، ومن المؤكد هو أن ذلك الخيار لا يلقى إجماعاً في أوساط «المكون الكردي» الأصيل، فالبعض من تياراته وأحزابه يرى في تلك التوجهات خياراً انتحارياً سيؤدي في نهاية المطاف إلى وضع الأكراد في حالة «عداء» مطلقة مع شعوب المنطقة، وهو سيؤدي بالضرورة إلى سقوط المشروع الذي يستحيل عليه أن يعتاش فقط على «السيروم» الأمريكي، ناهيك عن الشكوك التي تحيط بدوام تدفق هذا الأخير في «أوردة» هذا الأخير .
في تجارب التاريخ تقول القاعدة الذهبية أن إدراك أي شعب لحقائق التاريخ والجغرافيا هو الفعل الوحيد الذي من شأنه أن يجنب هذا الأخير المطبات والأزمات، فيما عدا ذلك فإن فعل الارتهان للخارج سوف يضع مطالب ذلك الشعب في خانة هي أقرب إلى «اللغم» الذي يهدد بانفجارات لا يمكن التنبؤ بالمآلات التي يمكن أن تفضي إليها، ولا يجب أن يغيب عن ذاكرة «قسد» أن فكرة استغلال التناقضات الإثنية والعرقية والطائفية القائمة في المنطقة لإقامة كيانات تتلون بتلك الصبغات هي فكرة إسرائيلية، وجذورها تعود إلى الستينيات، إن لم يكن للخمسينيات، من القرن الماضي، وهذا يضع الساعين في مشاريع من هذا النوع في موضع المتلاقي، أو المتقاطع، مع الأهداف التي ترمي إليها تلك الأفكار، والتجارب إياها تؤكد أن عملية البحث عن تسويات وتوافقات مع شعوب المنطقة تضمن للجميع حقوقهم، كانت تقدم على الدوام حلولاً تتسم بالديمومة والاستمرار .
نقطة أخيرة لا بد من إثارتها هي أن «شماعة داعش» التي ما انفكت «قسد» تستثمر فيها وتعمل من خلالها على إبقاء «حبل المشيمة» الغربي موصولاً بها، لا يمكن له أن يؤسس لـ«مشروعية» الحلم ودوام استمراره، فدول المنطقة برمتها تحارب «داعش»، والتنظيم إرهابي وفقاً لتصنيف غالبية دول العالم ومنظماته، ومحاربة الإرهاب لا يمكن أن تكون حكراً على فصيل أو تنظيم، أو حتى دولة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار