بما أنه لا أحد يضعكم نُصبَ عينيه، ولا يُعيركم أي اهتمام، ولا يبذل في سبيلكم نقطة عرق، أو حتى دقيقة تفكير واحدة، وبما أن الحال من بعضه، وكل إنسان يعيش على هذه البقعة الجغرافية يستشعر وحدته وغُربته على طريقته، وطالما أن الجميع يغني مع زياد الرحباني «شو عدا ما بدا ما بتفرق مع حدا»، ويُحسّ بأن كلمات تلك الأغنية هي لسان حاله، من ضرورة بيع الغالي والنفيس من أجل وجبة في مطعم، إلى جشع التُّجار والمُتحكِّمين بنا، والذين لم يتركوا لنا وظيفة «مثل الخلق والعالم»، ولا صحة نتعكَّز عليها لمواجهة هذا الكمّ من القهر، وبحيث نكون قادرين على الجري وراء لقمة العيش بأبسط مكوِّناتها، وخاصةً بعد أن انقلبت الدُّنيا رأساً على عقب، فصارت طبخة «البرغل ببندورة» حلماً صعب المنال، بعدما تخلى البرغل عن شنق نفسه وتربَّع على العرش، مُبعداً الأرزّ عن عزِّه القديم، وأيضاً بسبب أن البندورة تذكَّرت أصلها وفصلها وانتماءها إلى الفواكه وليس إلى مجموعة الخضار البسيطة، فـ«تدلَّلَت وتغنَّجَت» وتعزَّزَت علينا «العين تطرقها»، وللأسباب ذاتها باتت مقلاة «الجظ مظ» أكلة الأكابر، ولاسيما إذا أدركت البيضات أنَّ من «تبظُّها» هي دجاجة «ترباية مداجن» على «سنّ ورمح»، لذا هي صاحبة «حسب ونسب»، وتزداد الطامة في حال كانت «البَظَّة» من دجاجة بلدية، هنا يتحول «الجظ مظ» مباشرةً إلى أكلة ملوكية، أما صحن «المقالي» الذي كُنَّا نُحضِّره ونقول عنه «من قريبو»، صار بكل ثقة «من بعيدو»، وأقل ما يُقال عنه إنه وجبة خاصة لمَن استطاع إليها سبيلا، بسبب سعر ليتر زيت القلي الذي قارب العشرين ألفاً يا ويلتاه، إلى جانب البطاطا والباذنجان والكوسا والزَّهْرَة التي صارت أسعارها وكأنها من كوكب الزُّهرة، لذا أنصحكم أيها الوحيدون في مواجهة كل شيء، أن تتخلوا عن حيائكم وتأكلوا اللحم والسّمَك، ولا تدعوا صحن الفتوش يتكبَّر عليكم بذريعة أنه بحاجة إلى ميزانية خاصة، وحسبما يقول صديقي «خربابة وخربانة…».
بديع صنيج
25 المشاركات