مسلسل (عالحد)… خطاب درامي يشجع النساء على القتل!
المتعة التي تصلنا من الأداء الساحر للفنانة “سلافة معمار” لكل أبعاد شخصيتها “ليلى”، لا ينفي تدقيقنا في خطاب المسلسل السوري – اللبناني (عالحد)، والذي عرض مؤخراً على إحدى الفضائيات، وحاول أن يدافع عن المرأة، وأن يقول إن الذكر الذي يعتدي عليها مرة بالتحرش، ومرة بالضرب يستحق عقوبة ما، لكن المسلسل دفع شخصية “ليلى” إلى الاقتصاص من أي رجل معتد، وبمنأى عن القانون أكثر من مرة، حتى تحولت إلى قاتلة متسلسلة، وفق شريعة الغابة! فجاءت المقاربة أكثر من ضعيفة على المستوى الفكري والدرامي للكاتبتين “لانا الجندي ولبنى حداد”، إخراج ليال م. راجحة، بل وتستحق الإدانة على الصعيدين الأخلاقي والإنساني، رغم أن الخطاب الذي تم تقديمه يبدو منصفاً للوهلة الأولى للمرأة لكنه على العكس تماماً، فعدم إحساس الصيدلانية “ليلى” بالخوف بعد أن قتلت الرجل الأول الذي حاول التحرش والاعتداء عليها، دفعها لارتكاب جرائم قتل أخرى، لكن من دون مقدمات إقناع.
شريعة الغاب
من حيث المبدأ كما يقال من حق أي امرأة الدفاع عن نفسها لو تعرضت لمحاولة تحرش أو اغتصاب، والقانون سيأخذ بالحسبان دوافع القتل خلال محاولة الدفاع عن النفس، لكن أن تقدم عليه امرأة لم تبدُ غير طبيعية، ويصبح لها قانون تحاسب عليه كل رجل تعرف أنه أهان امرأة، سواء بالضرب، أو بالتحرش، فهذه شريعة غابة وليس مجتمعاً مدينياً، إذ مضت ليلى فقتلت زوج الصيدلانية “عاطف” بإبرة أدرينالين، لأنه اغتصب “تلجة” ، التي كانت تساعده في بيع المخدرات. ثم قتلت زوج المرأة التي كانت تتردد على الصيدلية لتتداوى من ضرب زوجها، فقتلته بعد أن تسبب ضربه لزوجته بموتها، فسرقت سيارة عاطف بالمفتاح الذي في حوزتها من دون أن يسوغ لنا المسلسل أسباب وجوده في حوزتها أصلاً وليس في حوزة زوجته المريضة “برناديت حديب”، فصدمته بالسيارة وقتلته. وأقفل المسلسل مشاهده الأخيرة وقد تركت كأساً مليئاً بالعصير فيه مادة سامة، قد يشربها “وليد / رودريغ سليمان” زوج صديقتها “مروى خليل”، وكانت قبله قد قتلت صاحب البيت الذي كان يقيم فيه ابن خالتها، بوضع مادة سم الخروع على طبق البيتزا وبالمصادفة، لمجرد أنه حاول التحرش بها ولأنه يعامل المرأة عموماً كبضاعة. لكن الجريمة الخامسة، التي لم نرها، أكثرها مدعاة للضحك إذ كان سبب القتل أن مسيو “وليد” ضرب زوجته والذي كانت ليلى تعيش معه كزوجة، في أوقات متباعدة، فأي تناقض أخلاقي هذا، فما الذي يدفعنا كمشاهدين للتعاطف مع شخصية مثل هذه تنزعج من وليد لأنه ضرب صديقتها، وكانت تنام معه متى شاءت من دون تأنيب ضمير ولا اعتبار لصديقتها؟!.
فقدان التسويغ
وهكذا عندما استطاعت “ليلى” تجاوز الخوف من جراء الدفاع عن نفسها بقتل المتحرش بها، تتابع القتل، فهذه نظرية خطيرة كأنها تشجع النساء على ارتكاب القتل ضد كل متحرش أو معتد على المرأة، فعدم إحساس الإنسان عموماً بالخوف من جراء ارتكاب القتل أول مرة قد نجده صحيحاً خلال مشاركته في حربٍ ما، وليس في حياته المدينية ليحوله تغلبه عليه إلى قاتل متسلسل! فهذا في زعمي لا دراسات تثبت صحته.
رسالة غائبة
فما بين مونولوج “ليلى” عن تجاوزها الخوف بعد ارتكابها أول جريمة قتل، وبين رسالتها الصوتية في آخر المسلسل للمحقق “نسيم/علي منيمنة” الذي بدأ يلاحقها بعد أن تأكد من أنها القاتلة والتي تقر فيها بما ارتكبته من جرائم قتل، جاء في ختام رسالتها “كنت عم جرب حقق العدالة يلي أنت ويلي متلك عم توصلولها مأخرين كتير، تذكر دايماً إنو أنا واياك بنفس الصف، أنا ما عم برر أنا كنت عم عيش”.!
بين المنولوج والرسالة الصوتية نسجت الكاتبتان خطاباً درامياً غير منطقي، مع أن المفترض أن يكون لهذا الخطاب رسالة إنسانية تنويرية تشجع على سن قوانين وهيئات تحمي المرأة من التحرش والضرب من أي شخص مهما كان قريباً منها، وتساعدها على تقديم الشكوى وجعل ذلك ثقافة عامة لا تخجل المرأة من المطالبة بحمايتها.
إشارات تعجب!
وما يلاحظه المشاهد المدقق غفلة المخرجة عن مسألة الإنارة ليلة الجريمة الأولى، فالحي الذي تسكن فيه ليلى كان مضاءً من مكان ركن سيارتها إلى منزلها بشكلٍ كافٍ، فهل يعقل أن يتحرش رجل عادة بهذا الحي من دون أن يحسب رؤيته من قبل أحد، ويحسب سهولة مطاردته، رغم أنه لا يغيب عن بالنا استخدامه القناع؟!
كما لم يسوغ المسلسل لنا لماذا نطقت شخصية “تلجة/دجانا عيسى لهجتها وهي ابنة الريف وليست ابنة المدينة كما جاء على لسانها.! كما أخطأت المخرجة في اختيار مكان التصوير كمنزل للمقاول الذي جسّده “جمال قبش” غول شراء البيوت القديمة لهدمها وإنشاء أبراج مكانها، فديكور منزله الذي يقطنه وقطع الأثاث التي فيه يشيان ببيت تراثي وبعشق لهذا التراث ومكوناته الجمالية.!