هل يحتمل الإبداع؟
سأسبق، وأقول: إن الشغل النقدي في أي من مجالات الإبداع؛ لا يقلُّ شأناً عن العمل الإبداعي ذاته، بل أجزم أن الكثير من النصوص النقدية احتوت على جماليات لم تتوفر في العمل الإبداعي نفسه.
أقول ذلك لما لحق العمل النقدي من إجحاف طول الوقت باعتباره –أو هكذا دوره- يأتي تالياً للعمل الإبداعي، ويعتاشُ عليه، غير أن المشهد الثقافي يتضمن ظاهرة أخرى لا انفصال بين الشغلين عند المبدع، بمعنى المبدع نفسه لديه عمله النقدي الموازي.. وطالما كان السؤال: هل يحتمل العمل الإبداعي أن يكون المُبدع ناقداً، وهل كان شغل المبدع متفوقاً على أعمال زملائه من الفنانين والكتّاب باعتباره واعياً لأدواته النقدية؟
كثيرة هي التجارب الإبداعية؛ التي وزّع المُبدع شواغله في اتجاهين خلق النص أو العمل الإبداعي، وكذلك خلق النص النقدي في مجال الإبداع، وظاهرة الناقد- المؤلف، نادراً ما تخلص منها مبدعٌ، وأيّاً كان مجال إبداعه، في التشكيل -على سبيل المثال- هناك العشرات من الفنانين التشكيليين اشتغلوا في النقد التشكيلي، بل إنّ البعض منهم انشغل أكثر بالنقد على حساب الشغل النقدي، حتى نسي الكثيرون إن هذا (الناقد)؛ هو فنان أيضاً، وهنا يُمكن أن نذكر: سعد القاسم؛ خريج كلية الفنون الجميلة، مع ذلك لا يعرفه المشهد التشكيلي السوري إلا ناقداً.
أديب مخزوم لديه مئات الأبحاث والمقالات النقدية في مختلف فنون التشكيل؛ غير أنه لم ينتبه لنفسه إلا متأخراً كفنان تشكيلي.
ربما من القلة الذين حاولوا توزيع الاهتمام بين المجالين إلى حدٍّ بعيد هم: غازي عانا، محمود شاهين، وطلال معلا، وإن كانت الغلبة في كثير من الأحيان للنقد على حساب الإبداع.
في الأدب القائمة ستطول أكثر بكثير من قائمة الفنانين التشكيليين الناقدين: خليل صويلح، ناظم مهنا، ثائر زين الدين، وعشرات غيرهم..
والأمر نفسه لكن بنسبة أقل في مجال الفنون الدرامية (مسرح، تلفزيون، وسينما) غير أنّ السؤال: الذي سأتركه من دون إجابة: هل كانت الأعمال الإبداعية لهؤلاء النقاد؛ أفضل، أو تتفوّق على أعمال زملائهم المُبدعين الذين اخلصوا للإبداع وحسب؟ وأسأل: هل يحتمل الإبداع أن يكون (المؤلف) ناقداً؟
هامش:
اغمضي
بأصابعك
عيون هذا العالم،
وكَـنايٍ قصيٍّ؛ أعيدي قلبي إلى المراعي،
وعلى سفح ليلٍ شهيّ،
بطعم النبيذ أو برائحة البخور؛
تعالي
نرسمُ للأغاني طعمها القديم
بلون الميجنا والعتابا..
فعلى سفحِ هذا الليل؛
لدينا الكثير لنفعلهُ معاً
ريثما
يلوّحُ لنا الصباح.