“مهرجان حمص المسرحي” ضرورة وإشارات
معظم الذين لم تعجبهم أغلب العروض المسرحية التي شاركت في فعاليات مهرجان حمص المسرحي الرابع والعشرين والذي انتهت فعالياته مؤخراً، تساءلوا لماذا لا يتوقف المهرجان طالما أن فرع نقابة الفنانين بحمص الذي يقيم المهرجان يعرف أن معظم العروض غير متقنة؟ وعلى الرغم من مشروعية السؤال، سنحاول أن نشير إلى ضرورة انعقاد المهرجان وخاصة أنه لم يعد يعقد كل سنة بل بالتناوب بينه وبين أسبوع الثقافة الموسيقية، رغم أنهما كانا يعقدان قبل سنوات الحرب، كل عام، إذ كان يعقد الموسيقي في نيسان، والمسرحي، في تشرين أول، مع بعض الزحافات بالزمن عند الضرورة. فالمهرجان اسمه مهرجان حمص المسرحي، وليس مهرجان نقابة الفنانين، وقبل أن يتم تعاون النقابة مع مديرية الثقافة بحمص والمسرح القومي، إذاً هو مهرجان للمدينة، بمعنى أنه أخذ طابعاً اجتماعياً وليس فنياً فحسب، كما قال لنا في تصريح سابق الفنان أمين رومية رئيس نقابة الفنانين بحمص. ونؤكد أهمية ما قاله بأن مثل هذا المهرجان هو الرئة الوحيدة التي تجمع الناس من شرائح متعددة، وخاصة في الظروف المعيشية الصعبة التي لم تعد تسمح لكثيرين حتى من ارتياد المقاهي والكافتيريات فبات اللقاء الجماعي الوحيد المسارح سواء للمسرح أم للفنون السمعية والبصرية الأخرى، من كونها فعاليات تعرض بالمجان.
تربة خصبة
وتأتي ضرورة المهرجان من جهة ثانية لاستمرار الفرق التي تستطيع المشاركة بمستوى مقبول، ولتسمح للكوادر الفنية التي تشارك فيه بصقل خبرتها ومواجهة الجمهور لتطوّر ذاتها، وتساعد الكثير من الطاقات الشابة على المتابعة والتشجيع بالدراسة الأكاديمية، بدليل أن المهرجان بدوراته السابقة التي بدأت عام 1987 كان تربة خصبة لتحفيز الكثيرين ذكوراً وإناثاً لمتابعة تحصيلهم الأكاديمي وهم الآن من صلب المشهد الدرامي (مسرحياً وتلفزيونياً وسينمائياً) وفي أكثر من اختصاص، تمثيل وإخراج وعناصر فنية أخرى، وهذا ما سبق أن أشرنا إليه في مقالة سابقة، ونؤكد عليه من جديد، أمام من يعترض على مستوى عرضين أو أكثر في دورة هذا العام، فهذا أكثر من طبيعي، فليس بالضرورة أن تعجب العروض المشاركة كلها، معظم المتفرجين، لكن السماح لها بالمشاركة ضرورة كتحفيز لعناصرها لترتقي بعملها في المشاركات القادمة.
وقد أشار إلى ضعف بعض العروض الفنان رومية في كلمة افتتاح المهرجان، فلم يتم تجاهل ذلك، ولم يتم الادّعاء بأنهم قدّموا عروضاً لا تضاهى. ومن الطبيعي أن تتميز عروض أكثر من أخرى، كما كل المهرجانات، مهما توافر للفرق المشاركة من ظروف إنتاجية، إذ شهدنا عرضين من إنتاج المسرح القومي بحمص لكن ثمة تفاوتاً كبيراً بينهما فكرياً وفنياً. كما أننا لم نحابِ أي عرض في مقالاتنا التي قاربنا فيها تلك العروض ولم نشعر أن النقابة استاءت مما كتبنا فهي تعرف مستوى الفرق المشاركة.
إحياء وغياب
أعادت دورة هذا العام إحياء الندوة النقدية التي تعقد عقب العرض مباشرة، والتي كانت قد توقفت منذ سنوات بعيدة، إذ شارك فيها بالإضافة لمخرج كل عرض: الكاتب المسرحي محمد سلام اليماني، والمخرج المسرحي حسن عكلا، والفنان التشكيلي إياد البلال، ورغم عدم متابعتنا لها، لكن أصداء تلك الندوات كانت لا بأس بها. إلاّ أن ما ميّز عروض الفرق المشاركة في هذه الدورة، تسابق بعضها على تقصير زمن عروضهم، فجاءت ثلاثة عروض من أصل سبعة بأقل من 45 دقيقة، ما دفعنا لأن نعتقد أن أحد العروض قدم لوحته الأولى وستعقبها لوحة ثانية، وإذ بنا أمام عرض أقل من 22 دقيقة.! وكان من اللافت للنظر غياب فرقة المسرح العمالي التي باتت بإدارة الممثل والمخرج سامر أبو ليلى، وهي التي كان يديرها المخرج والكاتب المسرحي فرحان بلبل وكان أحد مؤسسيها عام 1973 قدمت الفرقة آخر أعمالها بإدارته عام 2010 وهي أقدم فرقة مسرحية استمرت تلك السنوات وأكثرها شهرة وحضوراً في معظم مهرجانات القطر. ولذلك نأمل أن نشاهد عملاً جديداً للفرقة يستعيد بعض أمجادها قبل الحرب، إذ إن ما قدمته حتى الآن لم يجعلها تلفت النظر إلى أنها لا تزال على قيد العطاء. كما نسجل استمرار غياب تجسيد النصوص المسرحية السورية والاعتماد غالباً على النصوص المترجمة، وهذه مسؤولية إدارة المسرح القومي في حمص ودمشق فيجب أن يوجّها بضرورة العمل على النصوص المسرحية السورية والعربية عموماً.
ولادة… وأفضل ممثل!
ولكننا لم نعدم حضور نص جديد رغم ملاحظاتنا عليه، كان للكاتب عبيدة بيطار ومن مدينة حمص جسدته فرقة “أوركيديا” من حماة، ما يعني أن دورة هذا العام شهدت ولادة كاتب جديد، وولادة عناصر تمثيلية شابة جديدة تقف للمرة الأولى على خشبة المسرح وهي عناصر واعدة جداً ، وتكريس عناصر شهدنا لها تميزاً في الأداء كالفنان رامي جبر، والفنانة يارا الرضوان، وسلام خضر.
شاركوا في أكثر من عرض، ولا يمكن أن ننسى أن المخرج فهد الرحمون الذي يكرس اسمه مخرجاً مع كل عرض ناجح لفرقة إشبيلية، والتي تبنتها مؤخراً نقابة المحامين، لا يزال يتابع مسيرة هذه الفرقة الوحيدة التي لا تزال تشارك في فعاليات المهرجان بعد توقف بقية الفرق في حمص. وكذلك الحال مع المخرج زين العابدين طيار الذي أنتج له المسرح القومي عرضاً ثانياً مكرساً اسمه كمخرج مغامر ومتميز ليشكل مع الرحمون فضاءً للتفاؤل في استمرار تقديم عروض تبهج المتفرجين فكرياً وفنياً.
ولو كانت الجوائز التي منحت في بعض دورات المهرجان لا تزال قائمة لأعطيت صوتي للممثل “رامي جبر ” عن دوره “الجنرال المتقاعد” في مسرحية “العرس” للمخرج فهد الرحمون. فمنذ زمن لم تشهد حمص ممثلاً بقدراته الأدائية، لعله يحظى بفرص عمل في الدراما التلفزيونية والسينمائية لنشاهد ونستمتع جميعاً بأدائه.