مسرحية« الغنمة» كوميديا سوداء مطرزة بأدق التفاصيل
ليس عن عبث وضعت إدارة مهرجان حمص المسرحي عرض «الغنمة» في ليلة اختتام الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الذي أقامته نقابة الفنانين في حمص بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا والمسرح القومي في حمص.
فللمرة الثانية يفعلها المخرج زين العابدين طيار ومن إنتاج المسرح القومي في حمص، يمتع المتفرجين بعرض متقن في الأعم الأغلب من مقوماته، ويهدي العرض كما أهدى العرض السابق «العطسة» للمعلم والمخرج المسرحي ضيف الله مراد، ولذلك نطالبه بأن يظل وفياً لجمهور المسرح بتقديم عروض متقنة كوفائه لأستاذه ضيف الله.
جاء ديكور مسرحية «الغنمة» للكاتب البلغاري «ستانيسلاف ستراتييف» معبّراً عن البيروقراطية التي تحكم المجتمع البلغاري وكل مجتمع يشبهه، فمكاتب المؤسسة إلى الأعلى شاقولياً وليس أفقياً، كما أن الأزياء ذات النمط الواحد وأشكال الموظفين والموظفات، نسائية رغم أنهم يخاطبونهن على أنهن رجال. ولم نر أزياءً في مشهد من المشاهد إلاً وكانت مدروسة بعناية فائقة بحيث تمنح لوحة بصرية لافتة، وكذلك الإكسسوارات منها «المظلات» الملونة التي استخدمت لخلق نوع من البهجة البصرية، ولتتضافر مع الموسيقا المنتخبة من الموسيقا العالمية والمناسبة للعرض، فلم نكن أمام أي تفصيل من دون إتقان كأن العرض مجموعة خيوط استطاع المخرج اختيارها وجمعها مع الخيط الأساسي، النص والخيط الحامل للنص، ألا وهو فريق التمثيل من ممثلات وممثلين.
تحطيم مبادئ
الحكاية تبدأ من مراجعة الأستاذ الجامعي «ايفان أنتونوف» الذي اضطر لشراء سترة ذات وبر صوفي طويل، لم يجد غيرها، وعندما لم يتقبلها الناس وسخروا منها، قرر أن يقص وبرها، فذهب للحلاق الذي نصحه بالذهاب لمن يجزّ صوف الغنم ففعل وتم تسجيلها على أنها غنمة خاصة، وسجلوا اسمه وعنوانه ورقم هويته ومكان عمله، ثم أرسلوا إليه يطالبونه برسوم يجب دفعها على تربيته غنمة، فذهب إلى المؤسسة المختصة مع صديقيه يحتج لكن عبثاً، ولتبدأ رحلة كشف عنكبوتية البيروقراطية التي تحكم المجتمع, وبعد أن تعب صديقا الأستاذ من مهمة إثبات أن الغنمة ليست سوى سترة، تخليا عنه واحداً إثر الآخر، وفي الوقت ذاته تستفيق إحدى الموظفات في المؤسسة ذاتها التي يراجعها من هيمنة آلية العمل الرتيبة مما يفقد المرء إنسانيته، فتغامر بمرافقة الأستاذ لكشف ملابسات هذه القضية، فصديقه الذي تخلّى عنه كان يريد أن يرى كيف يتخلى الأستاذ عن مبادئه ويتحطم ويرضخ لهؤلاء السفلة الذين يتحكمون في الحياة بقوانين تافهة تشبههم، لكنه يئس عندما صمد الأستاذ على موقفه الأخلاقي، فتركه غاضباً منه.
ولكي تتكشف أخطاء وبيروقراطية المؤسسة التي يراجعها الأستاذ الذي يدرس اللغة يقدم النص- العرض حكاية الرجل المعلّق بالمصعد المعطل منذ شهرين وهو موعود بإصلاحه من قبل ابنه الذي ترك المدرسة ليتعلم إصلاحه، لأن عامل الصيانة المختص ترك عمله، وبالتالي هذا الرجل المعلق تزوره زوجته وتأتي له بالطعام والكتب، ومن ثمة صار عينة للدراسة الطبية لمراقبة تغيراته الفيزيولوجية نتيجة هذا الأسر الذي وقع به. مفارقات عدة حدثت في حكاية هذا الرجل الذي كان يرشد الأستاذ في أي مكتب وكيف يمكن له أن يحلّ مشكلته، فطالبه أحد المكاتب بوثيقة صيد ثعلب، ومن ثم أرشده الرجل المعلق كيف يمكن أن يتصدر تلك الوثيقة بالمال من دون أن يصيد ثعلباً لأنهم لن يذهبوا إلى الغابة ليعدوا الثعالب المتبقية، فمثل هذه الإشارة تعمّق السخرية من النظام الإداري الذي يحكم المجتمع البلغاري والكثير من المجتمعات التي تعاني من الفساد والتخلف والانهيارات شيئاً فشيئاً.
قبس الأمل
وفي ختام المسرحية وعندما بدأ الأستاذ والمرأة التي كانت موظفة يعدان تظاهرات لإنهاء مشكلة الغنمة، جاءت الأوامر بذبح غنمة وهمية في حفل تقاعد أحد الموظفين قبل أوان تقاعده، أي أجبر على ذلك فأكلوا وشربوا ما هو وهماً ونفاقاً وكان عليهم أن يتظاهروا بأنهم يأكلون شرائح اللحم الشهية إمعاناً في السخرية. فتنتهي مأساة هذه السترة، لكن مأساة هذا النظام الإداري الذي يحكم المؤسسات لا تزال قائمة، وكنّا توهمنا كمتفرجين بأن بلغاريا تخلصت منه حين هتفت تلك المرأة العاملة بالتنظيف والتي بثت مفاد مكالمة جاءتها فصاحت «بلغارياااا» بالترافق مع موسيقا فرح وهياج جماهيري. وهذه الرمزية الجميلة التي يحملها النص وخاصة في هذا المشهد بعثت التفاؤل قليلاً بأن ثمة أملاً بالخلاص من أنظمة إدارية كهذه، لكن على ما يبدو المخرج أخطأ بوضع هذا المشهد الذي كان يفترض أن يكون ختامياً ليعطي قبساً من الأمل، أو ربما وصلتنا رمزيته على نحو خطأ فحملناه دلالياً أكثر مما يحتمل.
فيلم وثائقي
تجدر الإشارة إلى أنه قبل عرض المسرحية ألقى الفنان أمين رومية رئيس نقابة الفنانين في حمص كلمة أكد فيها أهمية المهرجان بدليل هذا الحضور المواكب لفعالياته من عروض وندوات نقدية كانت تعقد عقب كل عرض، ثم تم عرض فيلم وثائقي عن الممثل والمخرج الراحل أحمد منصور، أعدّه الفنان رومية، سلّط الضوء فيه على المفاصل الأساسية من مسيرة الراحل الفنية بين المسرح والتلفزيون والسينما.
فريق تمثيل المسرحية: سليمان الوقاف، فاطر الأحمد، ماجد عبد الحميد، يعرب الحوراني، مرام اليوسف، حسن محمد، رامي جبر، روان شدود، لورين رحال، سما علي، زين العابدين قلعاوي، سليمان السليمان.