مسرحية «في الحفرة» اتكأت على عمل سينمائي وبلا هدف!
عرضت فرقة «أوركيديا» للمسرح الراقص، في الليلة السادسة من فعاليات مهرجان حمص المسرحي الرابع والعشرين الذي تقيمه نقابة الفنانين في حمص بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا والمسرح القومي، مسرحية بعنوان «في الحفرة» تأليف عبيدة بيطار، إعداد وإخراج أيهم عيشة، وانتمى عرض «في الحفرة» إلى المسرح الفقير، فلم يستخدم المخرج سوى قطعة إكسسوار واحدة، وجسّد العرض ثلاثة ممثلين (أيهم عيشة، مصطفى عبيدو، بدر وردة)، وممثلتان (مايا نصرة، سارة الأرناؤوطي)، بعد أن قدمت الفرقة الراقصة التي تألفت من (مايا رستم، إياس عامود، شيماء كردية، غادة البلا، ليليان زيدان، ميلانا زيدان، مروة الحاج، شهد الجندي، هبة عنابي، غزل الجندي) لوحة من دون أن نعرف ماهية هذه الرقصة ودلالتها ضمن سياق العرض، ثم بدأنا نكتشف أن الشخصيات تقع واحدة تلو الأخرى في الحفرة، إذ وقعت الممرضة أولاً ثم الطبيب ثم زوجته المحامية ثم الضابط، ويستقبلهم شخص مجهول كان يقدّم ذاته بأنه سبقهم بالوقوع في الحفرة، ثم بدأ يفاوضهم لمساعدتهم إن ساعدوا ذاتهم، أو ساعدوا شخصاً آخر.
لعبة السيطرة
يرحب بهم المجهول بمدينته مدينة الحقيقة، مدينة الحفرة المثالية، ثم قال لهم: «من ميزات مدينتي أنكم لا تستطيعون طلب المساعدة من الغير إلا إذا ساعدكم شخص آخر من تلقاء نفسه»، ثم يطلب منهم أن يقدموا أنفسهم بصراحة وأين كانوا ذاهبين قبل أن يقعوا في الحفرة، ويقول لهم: أمامكم خيار أن تساعدوا أنفسكم بالتعاون، وإياكم أن تفكروا بزحزحة هذه الصخرة لأنكم إن فعلتم ذلك فستنهار الحفرة فوقنا وتطمرنا. فتبدأ لعبة السيطرة من الضابط عليهم كشخصية عسكرية من طبيعتها لا تحب أن يأمر عليها إلا من كان برتبة أعلى منه، كما قال هو، فيبدؤون المشاورة لكن الضابط يرفض هذه اللعبة ويفرض نفسه على الجميع ويطلب منهم إطاعته، فمرة يحاولون الصراخ لعل أحداً يسمعهم فيساعدهم على الخروج، ثم اختلفوا حول فكرة أن يصعدوا فوق بعضهم بعضاً فيرى من هو فوق أحداً من فوهة الحفرة فيطلب منه المساعدة، ثم رفضوها.
وتذكّر هذه العلاقة بين الشخصيات وسطوة الضابط عليهم بقصة الفيلم المصري «البداية» للمخرج صلاح أبو سيف الذي تناول فيه عام 1986 كيف عاشت مجموعة من الناس في جزيرة وقعت طائرتهم فيها، وكيف حكمهم الأقوى فيهم، والفيلم يقدم مقولة إن الإنسان يضمر في داخله رغبة التسيّد على الآخرين، وهي الفكرة ذاتها التي اقتبسها بدوره أيضاً الكاتب د. ممدوح حمادة وبنى عليها مسلسله «الواق واق» عام 2018، محولاً الحدث من وقوع طائرة إلى غرق سفينة ونجاة ركابها إلى جزيرة، ليتحكم بالناجين مارشال بحري، وإن كان الفيلم والمسلسل قد تطابقا في الهدف الأعلى إلاّ أن المسرحية التي اقتبست منهما ما يخدمها، نأت عن هدفهما إلى لا هدف، كما سنشير لاحقاً.
مكاشفة
وإن أردنا أن نسرد تفاصيل أكثر قدّمت بتشويق لنا كمتفرجين فقد نفاجأ بمعرفة من وقع بالحفرة ببعضهم، فالطبيب الذي وقع سرعان ما تفاجأ بالممرضة التي وقعت قبله التي كما قالت عن حالها إنه كان قد أرسلها للعناية بـ«بلال بيك» لتهيئته لجلسة علاج فيزيائي، وباحت بأنها كانت تنوي وضع مخدر خفيف لتستبدل له الخاتم الثمين بخاتم مزيف بسبب فقرها وحاجتها للمال، والطبيب يعترف بأنه سقط في الحفرة وهو في طريقه لبيت «بلال بيك» بعد أن نوى أن يقتله بدواء ما، ثم سقطت زوجة الطبيب التي تغار من الممرضة، وتعمل محامية، سقطت وهي في طريقها أيضاً لبيت «بلال بيك» كي تسرق بعض الملفات لمنافسه في العمل التجاري، مستغلة ثقته بها كمحامية له، والطبيب دافعه أن يجعل زوجته تخفق في المرافعة وتخسر الدعوى ليربح هو كسر شوكتها أمامه، ويحدثنا الضابط أنه وقع بالحفرة وهو في طريقه للانتقام من بلال بيك لأنه أحبّ الممرضة التي كان يحبها ورفضت الارتباط به فاصطحب حبة دواء تصيبه بالشلل، لكنه وقع في الحفرة. وكان الرجل الذي وقع أولاً في الحفرة، كما ادّعى، قد أشعل الفتنة بينهم وقادهم لهذه المكاشفة عندما قال لهم: هل فكر أحدكم باستخدام «الموبايل» الذي دفع به للمحامية ليس لاستخدامه بل ليريها صورة زوجها الطبيب مع الممرضة بعد وقوعهما في الحفرة، فبدأت المكاشفة التي أشارت لماذا أغفل الكاتب لعقول شخصياته استخدام الموبايل للمساعدة؟ سؤال لم يقدم العرض إجابة عنهّ!.
عموماً، كل ما سمعناه من مكاشفة للشخصيات عن سقوطها الأخلاقي، قدّمه فريق التمثيل بملامح كوميدية خفيفة وبالتناوب بشكل شائق ورشيق، وبأداء عالٍ للحالات بما فيها من انفعالات: حيرة، ارتباك، غضب، مرح، خوف، لكن ظلت مشاركة الفرقة الاستعراضية مشوشة لم تشبك درامياً بشكل يجعل حضورها ضرورياً.
حفر حفرة!
تدرجت الخاتمة عندما يتنبه الطبيب إلى أن الذي في الحفرة قبلهم ويعظ عليهم يشكو من عرج بساقه اليسرى، وهي الساق ذاتها التي يشكو منها بلال بيك، فيحضر بلال بيك كاشفاً شخصيته قائلاً وبكل فخر واعتزاز إن الذي سيؤذيه ويستغله لم يخلق بعد، وأنه علم بخططهم وخبثهم فتدبر أمر الحفرة وأوقعهم فيها، كأنه عمل على مبدأ المثل السائر «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها».
ونستطيع القول إن العرض برمته، قبل الخاتمة كشف أن معظم الناس أنانيون يفكرون بمصلحتهم فقط ويتآمرون على بعضهم، وفاسدون، لكن أن يركض الضابط ويزحزح الصخرة من مكانها فتهبط الحفرة عليهم فيموتون جميعاً، من دون أن يقدّم الكاتب والمخرج أي مفتاح دلالي لفهم هذه النهاية، فبهذه الخاتمة أمات كاتب المسرحية كل جهده الجميل، فتغير اسم المسرحية بذلك إلى «حَفْرٌ في الفراغ»!.