“حاويات بلا وطن ” عرض مسرحي بلا دراما.!
جرى في الليلة الخامسة من فعاليات مهرجان حمص المسرحي الرابع والعشرين، عرض فرقة “إيبلا” من مدينة إدلب، الذي ينتمي لنوع الـ “مونودراما”، بعنوان ” حاويات بلا وطن” تأليف: قاسم طوير، تمثيل وإخراج: مهند زيداني. تحوّل الفضاء المسرحي إلى مكان محوط بأكوام من التراب والنفايات وخيمة بالية وحاوية نفايات كبيرة تحولت لغرفة، وحبل بين خيمتين معلق عليه ملابس قديمة بألوان وأشكال مختلفة، يشي المكان بالبؤس الذي تعيشه الشخصية، لكن هذه السينوغرافيا المتقنة لم توازها الحوارات الخارجية والداخلية التي تعتمد عليها شخصية العرض، فلنوع المونودراما شروط لتبدأ الشخصية ببوح حواراتها، فكان الممثل يقول كلاماً يوصّف به مشاعره وهمومه ويخبرنا به ما الذي نابه من هذا الزمن تحت سلطة جائرة حرمته من بيته بالطرد هو وغيره من منازلهم، واستقر به الحال في خيمة في هذه المنطقة، عاش فيها مع زوجته، وكان يحسد تلك العجوز التي تقيم في الحاوية لأنها كانت تقيها البرد وشغب الريح، وما إن توفيت حتى انتقل هو وزوجته إلى تلك الحاوية التي صارت بيته، من دون أن يستسلم بل طالب المسؤولين باستعادة حقه في منزله لكن دون جدوى، ثم تموت الزوجة فيبكيها بحرقة، لتبدأ محاولته في إيجاد مكان مناسب لدفنها، كما دفن تلك العجوز في المنطقة ذاتها التي يقطنون فيها، لكنه لم يجد في هذا المكان الذي كان مركزاً لنفايات المدينة، مساحة تليق برفيقة دربه، فقرر أن يحملها ويذهب لدفنها في بيته المسلوب منه، وذلك تحت شجرة النخيل ويوصي أن يدفن بقربها. ونسمعه يقول “من حلم لقبر مهيب في مقبرة الآباء والأجداد إلى قبر تزاحمك فيه إطارات السيارات”، فتوجه بالنداء إلى بطل تاريخي لعل فروسيته تحركه فيحتويها، فينبش قبره كأمل أخير ويرجوه أن يدفنها ويوفّر لها مثواها الأخير، لكنه يجد في القبر رمحاً محنياً، وسيفاً مكسوراً، فيخيب أمله ويعتبر أن فجيعته فجيعتان، ويخاطبه قائلاً: “كم حفظت قصصاً عن بطولاتك التي علمونا بها في المدارس أنك روح الشجاعة، أهذا هو سيفك؟ هل كنت تخدعنا أم خدعونا بك؟” ثم يتابع: ” لم يعد لي ثقة بك، لا يمكنني إيداعها في قبرك وأنت دون رمح وسكين وسيف، اسمع أنت خرافة وأنا المسؤول عن تصديقها. خير لي ألّا أدفنها في قبر، ، خير لي إعادتها إلى بيتها عسى أن ترضى عني، أجل سأعيدكِ إلى بيتك الذي تحبين، إلى متحف أحلامكِ القديمة. هل تذكرين النخلة الباسقة سأدفنك تحت فيئها وسأكتب وصيتي بحفر قبري جنب قبركِ عسى أن تحمينا نخلتنا وتبعدنا عن هذه التربة العفنة. فلم يكن أكبرهم هو الأكبر. وناصرنا خاذلنا.” يقول جمله الأخيرة وهو يحمل جثمان زوجته متوجهاً نحو بيته كاسراً الجدار الرابع.
غياب الصراع
لم يتوافر لهذا العرض ما يشترطه هذا النمط من عروض المونودراما فهو يحتاج إلى ما يدفع بشخصية العرض لتقديم حكايتها أو أسباب معاناتها ومما هي مأزومة منه، يأتي بعد أن يحتد الصراع، لكن في هذا العرض لم يتبين لنا، مع من تصارعت شخصية الممثل! ما استدعى خروجها عن الصمت والحديث بصوت عالٍ كما هي عادة الشخصيات في عروض المونودراما، كان يفترض لحظة قهر قاتلة تدفع بالشخصية لمثل هذا البوح الذي لم يشر لماذا طردوا من بيوتهم، ربما هذا متوافر في النص الأصلي للكاتب العراقي قاسم طوير، لكن إعداده لم يكن موفقاً، وبالتالي الاستنجاد بشخصية تاريخية للمساعدة غير مفهومة الدلالة، كما أن الممثل في لحظات كثيرة لم يرتقِ إحساسه لمستوى معاناته، فكنا في حضرة من يلقي درساً حفظه، كما كان مُرْبَكاً بعض الشيء فعندما جسد شخصية العجوز التي أخذ حاويتها بعد وفاتها، كما تقتضي المونودراما، نسي أن يخرج من شخصيته الرئيسة التي تعاني عرجاً في ساقه اليمنى. ساهم كل ما سبق في عدم تعاطفنا كمتفرجين مع الشخصية لعدم توافر المقومات الدرامية والفكرية والفنية لما يحتاج عرض كهذا.!