مسرحية “ليلة لم تحدث” بداية بلا نهاية!
أول ما شاهدنا أكياس الرمل وصندوق الذخيرة وخوذة مرمية بشكل عشوائي في الفضاء المسرحي الذي ستجري فيه مسرحية “ليلة لم تحدث” لفرقة فرع نقابة الفنانين باللاذقية، تأليف ” عبد النبي الزيدي” وإخراج ” هاشم غزال”، وذلك مساء اليوم الرابع من فعاليات مهرجان حمص المسرحي الرابع والعشرين، على خشبة قصر الثقافة، أول ما شاهدنا ذلك لم نتوقع أننا سنشاهد عريساً وعروسه سيدخلان إليه، وبدخولهما فهمنا أن الفضاء ليس جبهة قتال بل منزل مدجج من المنازل التي شهدت وقائع الحرب على سورية. وكان المخرج قد أوحى لنا بالعرس من خلال الموسيقا ثم جاء صوت القذائف، ليتبعه دخول العروسين وهما في حالة ذعر وهرب من القذائف. وقد توقعنا أن تدور حوارات غير تقليدية بين العريس وعروسه، حوارات ذات علاقة بأسباب الحرب التي قصفت بقذائفها فرحتهما الأولى التي نسجوا خيوطها على هواهم بشكل غير عادي، لكننا لم نصغِ سوى لحوارات تقليدية بين أي عروسين، بخاصة من العريس الذي جاء وضمن هذه الحرب بملامح ذكورية تقليدية يريد ويصر على حق الزوج منذ الليلة الأولى.
وكانت الحوارات بين العروسين تقطع أكثر من مرة بسبب صوت القذائف المدوّي، أو قرب إطلاق الرصاص الذي كان صوته يصل كطرق الباب على غرفة العروسين فيسارع العريس بالإلحاح على عروسه أن يقدما الدليل لمن يطرق الباب، وتكرر ذاك أكثر من مرة، كتأكيد على فكرة ذكورية تقليدية.
استكانة المرأة .!
لم نشهد احتجاج العروس على تلك الفكرة الذكورية بل مضت فقط بمراوغات مشفوعة بخجل العذارى مما يحدث في الليلة الأولى لأي عروسين، ومحاولاتها في إشغال العريس بما يحلمان به لأطفالهما القادمين وطغيان أجواء الحرب على ذلك، وهذا ما دعاهما لأن يرسما لأطفالهم الثلاثة الذين يتمنون إنجابهما ميتة مشرفة ، الأول بأن يغرق وهو يهاجر بـ “البلم” ثم يعود لهم جثة، والطفلة التي شبت وصارت صبية تخطفها عصابات إرهابية ظلامية وتغتصبها ثم يتراجع الأب عن هذا ولا يرغب لها بذلك، وكذا لطفلهما الثالث. والوقت يمضي، ولا يقضيان ما يحلم به كل عروسين في ليلة عرسهما، فالعريس يلح على ذلك والعروس ما فتئت تبعده عن فعل ذلك مرة بالحيلة ومرة بالغنج والدلال، والكلام الجميل، الذي يستجيب له العريس.
وبين كل حوار وتفصيل ورغبة نسمع صوت القذائف والرصاص. ليعود الحوار مجدداً بين العروسين بعد كل انبطاح واختباء عقب صوت القذائف ليستكمل المطالبة بحق الزوج. لتتابع العروس حيلتها التي تشبه حيلة شهرزاد في إبعاد شهريار عن قتلها بعدم استكمال الحكاية التي تفاصيلها تجلب له النعاس، لتستكمل حيلها المتجددة بخلق أحاديث شتى وأعذار عديدة حتى لا تعطيه مراده، فتشترط على عريسها ألّا تستيقظ باكراً حتى توافق له على منحه ما يطالب به… وما إن يوافق حتى تصارحه بأنها لا تجيد الطبخ وستظل لخمس سنوات تتعلم الطبخ من والدته، وما إن يوافق حتى تستغرب من مصارحة العريس بشرطه بأن تسمح له بالشخير، ثم بعد جدال توافق لا منّة ولا مجبرة بل لأنها هي تشخر أيضاً، ويظلان يعيدان بحوار لا يمل بالمطالبة بحق الليلة الأولى، إلى أن تبدأ الرقص دون أن نعرف السبب ومن ثم يبدأ العريس بمشاركتها الرقص فتختتم المسرحية بلا خاتمة
نمطية وتقزيم !
كنا توقعنا غير حوار أو غير قلق من ليلة كهذه لعريس في ظروف الحرب، أو أن نرى رفض العريس لمثل هذه الليلة كي نشاهد أثر الحرب على نفسية العريس والعروس برفضها تقليدية هذه الليلة، إذ هل يعقل أن تشتعل بنفسهما أجواء الليلة الأولى لأي عروسين ضمن بيت هو شبيه بخندق على الجبهة؟! فباستثناء ما حاولا الحلم به لأولادهما لا تأثير للحرب على نمطية هاتين الشخصيتين، فالمرأة نمطية أكثر من الرجل، فمن قال للكاتب إن كل النساء يهربن من تفاصيل الليلة الأولى مع عريسهن، ولماذا نقزم النساء ونقصيهن عن حاجاتهن ورغباتهن الجسدية؟!
عانى العرض من خفوت صوت الممثلة “وفاء غزال” مقابل وضوح صوت الممثل “مصطفى جانودي”، وتفاوت الإحساس بحالاتهما بين وقت وآخر حسب الموقف.
بالعموم العرض غير ممتع فنياً ولا فكرياً، فعلى ما يبدو أن استلهام موضوعات تخص الحرب لخشبة المسرح لا يزال يحتاج لوقت ليعطي نصوصاً أعمق فكرياً وفنياً .