“العرس” مسرحية كسر رتابتها “جنرال”
كان يمكن لعرض “العرس” تأليف “تشيخوف” إعداد وإخراج “فهد الرحمون”، لفرقة إشبيلية التابعة لنقابة المحامين بحمص، الذي جرى على خشبة مسرح قصر الثقافة، في مساء ثاني أيام مهرجان حمص المسرحي الرابع والعشرين، كان يمكن أن يكون أكثر إتقاناً من الجهة الفنية لو تم تكثيف بعض الحوارات، بين الشخصيات، لساعد ذلك على تماسك العرض إيقاعياً وتخفف من رتابته في بعض المواضع.
والعرض قد بدأ حيوياً بحفلة تحتفي بعروسين، ومن ثم تم الانتقال لكشف خيوط المسرحية، خلال محاولة ترتيب نهائية لطاولتي الطعام والشراب، من قبل أم العروس والعريس، ليكشف الحوار بينهما الفساد والنفاق الاجتماعيين اللذين يمكن سحبهما على أكثر من مجتمع، فالعريس “أبلومباف/حسن سرور” يكشف أنه عقد صفقة مع أم العروس “نستاسيا/ديانا منعم” ليقبل بابنتها، فاشترط عليها أن يتم تأثيث المنزل ببعض حاجياته على حسابها. وليس أم العروس بأفضل حال منه، فقد توجهت كما عادة بعض العائلات التي تحبّذ التباهي بوضع اجتماعي زائف، إلى أحد السماسرة “نيونين/علي دياب” ودفعت له مبلغاً من المال ليحضر أحد الجنرالات لكي يتم التباهي به في الحفل، كما يحدث في أكثر من مجتمع بحالات مشابهة في التجمّل والتمظهر غير الحقيقي للوضع الاجتماعي لهذه العائلة أو تلك. وظلت أفعال الشخصيات تدور في حلقة شبه مفرغة من شجار لطيف إلى “زعل” العريس من أحد الأصدقاء، أو “زعل” الصديق اليوناني “ديمبا /أمجد خزعل” لوالد العروس “جيجلاف/آصف حمدان” الذي هو في حالة سكر دائمة، فيطلب منه أن يتحدث عما هو جميل في بلده الأصل، فيقدمان ملامحهما بشكل لطيف، في حين تأتي غزليات “يات/ ثائر محمد” للقابلة القانونية “زيموكينا/ يارا رضوان” مرحة فيها ما يعبّر عن داخل القلب المشوب ببعض المبالغة التي تعبّر عن اهتمام يضمر مصلحة، ويحاول كلٌّ من إشبينيّ العروس والعريس “حيان بدور، وهادي عيسى” إعادة الجميع إلى جو الاحتفال كلما تشنج وفقد الجو رونق البهجة.
مكاشفة مبكرة
لكن المخرج الذي كشف مبكراً بالحوار بين الشخصيات ما سيقدمه الفعل المسرحي لاحقاً، جعل مستوى المتعة الفكرية غير عالية بالنسبة لنا كمشاهدين، كما أضعف البناء الدرامي للعرض إلى حدٍّ ما، أمّا تحقيق العكس فيتطلب إعداداً يؤخر فيه فعل المكاشفة بين العريس وأم العروس إلى ما بعد مجيء “الجنرال/رامي جبر”، والذي كان حضوره ضرورياً لأنه أنقذ العرض درامياً ونفخ فيه حيوية جعلت العرض يحافظ على تماسكه بعد أن كاد يهوي نهائياً في الرتابة، من دون أن ننسى مشهد رقصة زوربا التي جسدها “آصف حمدان وأمجد خزعل”، بشكل جميل وحيوي. فحضور “الجنرال” أضفى مزيداً من الحركة والحوارات التهكمية، كل ذلك بأداء عالٍ من الممثل “رامي جبر”، وكشفت صراحة الجنرال التي تفاعلت بعد مزيد من تناول الخمرة، أنه ليس جنرالاً بل صاحب رتبة أدنى في البحرية لكنه يحب البساطة وسرّه أن يشاركهم فرحهم، فتكتشف أم العروس أن من كلفته بالمهمة قد احتال عليها بالمبلغ، ولم يأتِ لها بالرجل الذي طلبت، وكانت العبارة التي تضبط تشويق العرض هي عبارة والد العروس السكّير التي رددها طوال العرض “نحن لا نريد أن نحتال على أحد”. ومع كشف الصورة الحقيقية للجنرال تفاقم الخلاف بين الجميع ولاسيما أن العريس وصديقه “يات” كانا قد اختلفا أيضاً خلال فترة انتظار الجنرال، كما اختلف “يات” مع من يدعي حباً لها “زيمولكينا” فنهضت كل الحساسيات، وبدأ ما يشبه العراك بين الجميع ومن ثم ليغادروا الفضاء المسرحي الذي شغلوه حركة ورقصاً وحواراً، ولتظل العروس “داشينكا/مايا حرفوش” وحدها على منصة الاحتفال تبكي ودموعها تعلن انتهاء العرض، فتنطفئ الأضواء.
عموماً العرض يعكس قدرة المخرج على تقديم نصوص تلامس بعض الأمراض الاجتماعية، وعلى إدارة فريق تمثيلي لكن رغبته في تحقيق المساواة في المساحة الزمنية لكل ممثل للشخصية الموكلة إليه كادت أن تطيح بالعرض، لولا حضور شخصية الجنرال التي ساهمت بإعادة ضبط إيقاع العرض وأداء الممثلين الذي تفاوت وفق خبرتهم وملامح كل شخصية جسّدوها، والذي كان يمكن أن يمتّعنا أكثر لو كان العرض أكثر رشاقة، فهم يختزنون قدرات أدائية تستحق التقدير.
بطاقة فنية: مساعد المخرج- ثائر محمد، تصميم الإضاءة- محمد الحسين، تنفيذ الإضاءة – المحامي محمد الرحمون، المكياج- كندا الملحم، إدارة المنصة- لارا حمادي.الإكسسوارات المسرحية: المحامية مرح سليمان، الموسيقا: مختارات عالمية، تنفيذ المحامية: ضحى الشدود.